للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبب القصر إنما جاء في هذه الآية، وهو الخوف، وأن اللَّه سبحانه وتعالى بعد أن زال الخوف أبقى هذا الحكم مستقرًّا، ورخَّص للمؤمنين، وهذا من التيسير الذي جاءت به الشريعة، وتكلمنا عنه كثيرًا فيما مضى (١).

إذن عرفنا أن هذا بالنسبة للمسافر عمومًا، ولم يكن ما جاء من تخفيف في هذه الشريعة قاصرًا على المسافر فقط، وحتى المسافر لم يكن التخفيف عليه في قصر الصلاة فحسب، وإنما له أن يفطر في نهار رمضان، والفطر أفضل (٢). وقد صحَّ عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لما رأى رجلًا ظُلِّل عليه وسأل عن ذلك فتبين أنه صائم قال: "ليس من البر الصيام في السفر" (٣).

إذن هذا فيه حضٌّ على الأخذ بالرُّخصِ، كذلك نجد أنه صحَّ في الحديث أنه يمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليهن، والمقيم يومًا وليلةً (٤).


(١) تقدَّم قريبًا في قصر الصلاة في الخوف.
(٢) اختلف العلماء هل الفطر في رمضان أفضل للمسافر أم الصوم. فالجمهور على أن الصوم أفضل، وخالف الحنابلة، فقالوا الفطر أفضل.
انظر في مذهب الأحناف: "التجريد"، للقدروي (٣/ ١٥١٣)، وفيه قال: "قال أصحابنا: الصوم في السفر إذا لم يستضر به أفضل من الفطر".
وانظر في مذهب المالكية: "حاشية الدسوقي" (١/ ٥١٥)، وفيه قال: " (قوله وصوم بسفر)، أي: يندب للمسافر أن يصوم في سفره المبيح للفطر وسيأتي شروطه؛ لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ويكره الفطر".
وانظر في مذهب الشافعية: "أسنى المطالب"، لزكريا الأنصاري (١/ ٤٢٣) وفيه قال: " (والصوم للمسافر أفضل) من فطره {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] ولبراءة الذمة وفضيلة الوقت".
وانظر في مذهب الحنابلة: "كشاف القناع"، للبهوتي (٥/ ٢٢٦) وفيه قال: "والمسافر سفر قصر يسن له الفطر إذا فارق بيوِت قريته العامرة. . لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ويكره صومه ولو لم يجد مشقة لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس من البر الصوم في السفر"".
(٣) أخرجه البخاري (١٩٤٦) بلفظ: "ليس من البر الصوم في السفر"، ومسلم (١١١٥) بلفظ: "ليس البر أن تصوموا في السفر".
(٤) تقدَّم تخريج هذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>