للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآن سنشرع في موضوع جديد، فالسفر أنواع؛ فالمسافر إما أن يسافر قربة إلى اللَّه عز وجل، وهو ما يعرف بسفر الطاعة؛ لأن المسافر قد يسافر حاجًّا، والحاج إما أن يكون الحجُّ في حقِّه واجبًا، وذلك لمن لم يؤدِّ حجته التي هي ركن من أركان الإسلام، أي: حجته المفروضة، وقد يكون تطوعًا في حقِّ من أدَّى الحج الواجب، وأصبح يتطوع، وكذلك الحال بالنسبة للعمرة، وقد يكون السفر مندوبًا؛ كالسفر للجهاد أو الاشتغال بطلب العلم والدعوة في سبيل اللَّه سبحانه وتعالى، وقد قال الرسول: "مَن سلكَ طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّلَ اللَّهُ له فيه طريقًا إلى الجنة" (١)، ولقد سافر أحد الصحابة -كما جاء في "صحيح البخاري"- يطلب حديثًا من بلاد الشام، بلغه أن أحد أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحفظ حديثًا عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- (٢)، فشد على راحلته، وامتطى دابته، وقطع المفاوز (٣) والقِفار (٤)؛ ليصل إلى ذلك حتى ذهب إليه وسلم عليه، وأخذ عنه حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وظلَّ هذا الأمر منتشرًا حتى عصر الأئمة، وبعد عصر الأئمة، حتى إلى القرون المتأخرة، إلى ما يقرب من القرن العاشر، وما زال بحمد اللَّه طلاب العلم ينتقلون من بلد إلى بلد، وينتشرون في كلِّ مكان.

وقد يكون السفر مباحًا، كالسفر للتجارة، وهذه كلها متفق عليها بين


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري معلقًا (مع الفتح) (١/ ١٧٤) قال: ورحل جابر بن عبد اللَّه مسيرة شهر إلى عبد اللَّه بن أنيس في حديث واحد. وعلَّقه أيضًا في موضع آخر (١٣/ ٤٥٧) قال: ولذكر عن جابر، عن عبد اللَّه بن أنيس قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يحشر اللَّه العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان". ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" (٥/ ٣٥٥).
(٣) المفاوِز واحدتها المَفازَةُ. وهي الفلاة. سمِّيت بذلك؛ لأنها مَهْلَكة، من فَوَّزَ أي: هلك. وقيل: سمِّيت بذلك تفاؤلًا بالسلامة والفوز". انظر: "الصحاح"، للجوهري (٣/ ٨٩٠). وانظر: "العين"، للخليل (٨/ ٣٣٣).
(٤) "القِفار": جمع قَفر، وهو الخالي من الأمكنة. انظر: "العين"، للخليل (٥/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>