للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دماءهم أو ليتاجر في أمور محرمة، أو ليسرق، أو ليرتكب ذنبًا من الذنوب، فهذا سفره سفر معصية، لأنه لم يسافر في طاعة اللَّه سبحانه وتعالى، ولم يسافر أيضًا للضرب والسعي في الأرض يبتغي الرزق فيها مما أباحه اللَّه سبحانه وتعالى، لكن هذا سعى وسافر، ليفسد في الأرض.

ففرق بين مَن يسعى في الأرض؛ ليصلح، وبين من يسعى فيها؛ ليفسد، وشتان بينهما، ومن هنا وقع الخلاف بين العلماء؛ فمن العلماء من قال: كل مسافر سفر معصية لا يباح له أن يقصر الصلاة (١)؛ لأن اللَّه تعالى قال: {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣] فأباح للمضطر أن يأكل الميتة لكن لو كان هذا المضطر عاصيًا فإن العلماء تكلموا في هذه المسألة، وهي مرتبطة بمسألة وثيقة الصلة بها؛ لأن الذي يسافر في معصية اللَّه قد لا يجد طعامًا، ويجد ميتة، واللَّه سبحانه وتعالى أباح للمضطر أن يأكل منها، بل قال جماهير العلماء: يجب على المضطر أن يأكل من الميتة؛ ليحفظ مهجته؛ ليحفظ حياته (٢)، ولو لم يكن فقد ألقى بنفسه إلى التهلكة، واللَّه سبحانه وتعالى نهاه عن


(١) وممن قال بهذا القول المالكية والشافعية والحنابلة، كما سبق.
انظر في مذهب المالكية: "حاشية الصاوي" (١/ ١٩٩)، وفيه قال: " (وأخذ من قوله: سفر قصر) إلخ، أي: فيؤخذ منه قيدان أن يكون أربعة برد لا أقل: وأن لا يكون سفر معصية".
وانظر في مذهب الشافعية: "أسنى المطالب"، لزكريا الأنصاري (١/ ٩٢) وفيه قال: " (لا) في (سفر معصية) كعبد آبق وامرأة ناشزة فإنه يجب به القضاء؛ لأن عدم القضاء رخصة فلا يناط بسفر المعصية".
وانظر في مذهب الحنابلة: "شرح منتهى الإرادات"، للبهوتي (١/ ٢٩٧) وفيه قال: " (وإن نوى مسافر القصر حيث لم يبح) له القصر لنحو نية إقامة مما تقدم، وكونه سفر معصية أو لا يبلغ المسافة (عالمًا) عدم إباحته له (لم تنعقد) صلاته".
(٢) وممن قال بهذا القول: الحنفية المالكية والشافعية والحنابلة.
انظر في مذهب الأحناف: "التجريد"، للقدوري (٢/ ٩٠٢) وفيه قال: "ولأن الميتة في حق المضطر كالطعام المباح في حق القادر، ومعلوم أن العاصي لا يجوز له ترك المباح، فكذلك لا يجوز له ترك الميتة عند العجز".
وانظر في مذهب المالكية: "حاشية الصاوي" (٢/ ١١٩) وفيه قال: " (تعين لغصة)، أي: حيث خشي منها الهلاك ويصدق المأمون ويعمل بالقرائن. قوله (على الأصح):=

<<  <  ج: ص:  >  >>