للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشقة، والمشقة ليست مقطوعة (١)؛ لأنه ليس كل مسافر تلحقه مشقة، إذن هذه متوفرة في العاصي، لكننا نقول: نمنعه من جانب آخر، وهذا الجانب هو أنه باغٍ معتدٍ (٢)، ولذلك لا يُباح له أن يقصر الصلاة.

* قوله: (وَأَمَّا مَنِ اعْتَبَرَ دَلِيلَ الفِعْلِ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي السَّفَرِ المُتَقَرَّبِ بِهِ).

المقصود أنه إذا نظرنا إلى ظاهر النصوص، وإلى علة السفر، فهذا يكون حجة لمن قال من أهل العلم بجواز القصر مطلقًا، وإذا نظرنا إلى الفعل فنجد أنه لا يدل على ذلك، فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحاشاه- لم يسافر في معصية، وإنما كانت أسفاره كلها في طاعة اللَّه سبحانه وتعالى (٣)، فقد سافر غازيًا، وحاجًّا، ومعتمرًا، إذن هو يجاهد في سبيل اللَّه، ويغزو المشركين وكذلك كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيقول: الفعل الذي وقع كان في سفر الطاعة، وكان الصحابة يسافرون سفرًا مباحًا، للاشتغال بالتجارة، والضرب في الأرض (٤)، هذا هو الذي وقع، وأما سفر المعصية فلم يحصل، إذن فمن طريق الفعل نرد القول بجواز القصر مطلقًا، لكننا أيضًا نقول: نرده بمفهوم الآية (٥)؛ لأن هذا معتد، وهو أيضًا باغ؛ لأن الباغي


(١) تقدَّم الكلام عن علة المشقة في السفر.
(٢) تقدَّم الكلام عن الباغي والعادي وحكم الضرورة لهما.
(٣) أخرج عبد الرزاق في "المصنف" (٢/ ٥٢٢) "عن ابن جريج قال قلت لعطاء: قولهم لا تقصروا الصلاة إلا في سبيل اللَّه قال: إني لأحسب أن ذلك كذلك قلت: لم؟ قال: من أجل أن إمام المتقين لم يقصر الصلاة إلا في سبيل اللَّه".
(٤) الضرب في الأرض وهو السير فيها. انظر: "طلبة الطلبة"، للنسفي (ص: ١٤٨).
(٥) يقصد قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (١٠١)}. فمفهوم الآية يدل على أنه يشمل كل سفر إلا ما استثني من سفر المعصية.
قال القاضي عبد الوهاب: "القصر جائز في السفر الواجب والمباح، خلافًا لمن حكي عنه أنه لا يجوز إلا في واجب كالحج والعمرة والجهاد، لقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ}، فعمَّ، ولأنه سفر في غير معصية كالواجب". انظر: "الإشراف على نكت مسائل الخلاف" (١/ ٣٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>