للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن هم يصلون وراء الإمام، وهذه مسألة من المسائل التي يستدلُّ بها العلماء على إتمام الصلاة، يجعلونها حجة على الذين يقولون بوجوب القصر (١)، فالآن لما ورد هذا الدليل تذكرت هذه المسألة، وهي حجة للجمهور الذين يقولون بأن قصر الصلاة سنة، وليس بواجب (٢)، قالوا: لأن الإجماع قائم على أن المسافر لو صلى خلف مقيم، فإنه يتم الصلاة (٣)، ولو كانت صلاة القصر واجبة لما أتمَّ وراءه، وإنما يلزمه أن يقصر، وهذا دليل نضيفه إلى الأدلة السابقة، وهو دليل قويٌّ.

الجمع بين الصلاتين -كما ذكرت- قد ثبت كما يذهب إليه جماهير العلماء (٤)، وقد صحَّ من فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد نقل الصحابة ذلك عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٥)، والأمر في ذلك قد اشتهر، لكن من العلماء من ذهب إلى أن الجمع الذي ورد عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما يُحمَل على صورة واحدة فيما عدا عرفات ومنى، وفيما عدا عرفات والمزدلفة؛ لأن الجمع هناك من أجل النسك، وهذا أمر مجمع عليه ليس محلّ خلاف، فلم يكن لأجل السفر عند هؤلاء، لكن ما عدا ذلك قالوا: لا جمع فيه، وهذا القول نقل عن الحسن البصري، وعن ابن سيرين (٦) والنخعي (٧)، وكل هؤلاء من التابعين،


(١) القائلون بوجوب القصر هم الحنفية، وقد سبق.
(٢) القائلون بأن القصر ليس واجبًا، هم المالكية والشافعية والحنابلة، وقد سبق.
(٣) يُنظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص: ٤١) وفيه قال: "وأجمعوا على أن المقيم إذا ائتم بالمسافر، وسلَّم الإمام ركعتين أن على المقيم إتمام الصلاة".
(٤) سبق النقل عنهم قريبًا.
(٥) تقدَّم تخريجه الحديث الدال على ذلك.
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٥/ ٣٩٨) بلفظ: "عن الحسن ومحمد، قالا: ما نعلم من السنة الجمع بين الصلاتين في حضر ولا سفر إلا بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بجمع".
(٧) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٢/ ٥٥٣) بلفظ: "عن إبراهيم لا يجمعون في السفر ولا يصلون إلا ركعتين".

<<  <  ج: ص:  >  >>