للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ فَرْضَهُمَا وَاحِدٌ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ، إِمَّا الغَسْلُ، وَإِمَّا المَسْحُ، ذَهَبَ إِلَى تَرْجِيحِ ظَاهِرِ إِحْدَى القِرَاءَتَيْنِ عَلَى القِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وَصَرَفَ بِالتَّأْوِيلِ ظَاهِرَ القِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى مَعْنَى ظَاهِرِ القِرَاءَةِ الَّتِي تَرَجَّحَتْ عِنْدَهُ).

وَالمؤلِّف هاهنا يُجْهِدُ نَفْسه بلا طَائِلٍ في محاولةٍ منه لإيجاد موازنةٍ بين القولين، ولكنَّا لا نرى للموازنة وجهًا في المسألة، وإنما الأمر كما قال الشاعر:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرَهُ … إِذَا قِيلَ إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَ العَصَا (١)

فنحن نُفَرِّقُ بين القراءتين والحُكم، أما القراءتان فكلاهما قراءةٌ صحيحةٌ مشهورةٌ، وَكِلَاهُمَا قراءةٌ سبعيَّةٌ قرَأ بها عَددٌ، ليسَ في هاتين القراءتين فَحَسب، بَلْ هناك قراءةٌ ثالثةٌ بالرَّفع (٢)، هي: {وَأَرْجُلَكُمْ}، وهذه يُقَدِّرُهَا العلماء بـ: "وأَرْجُلُكم مَغْسولةٌ" (٣)، فلا خلافَ في صحة هذه القراءات، أما الحُكْم فإنَّما ينبني على تقدير هذه القراءات، وقد فَصَّلْنَا الكلَام في هذا.

(وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ دَلَالَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ القِرَاءَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهَا عَلَى السَّوَاءِ، وَأَنَّهُ لَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى ظَاهِرِهَا أَدَلَّ مِنَ الثَّانِيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا أَيْضًا، جَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الوَاجِبِ المُخَيَّرِ ككَفَّارَةِ اليَمِينِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَدَاوُدُ).


(١) البيت للكميت بن زيد، يُنظر: "الدر الفريد" للمستعصمي (٤/ ١٥٧).
(٢) يُنظر: "المحتسب" لابن جني (١/ ٢٠٨)، حيث قال: " (ومن ذلك ما رواه عمرو عن الحسن: {وَأَرْجُلَكُمْ} بالرَّفع". وانظر: "التبيان في إعراب القرآن" للعكبري (١/ ٤٢٢).
(٣) يُنظر: "المحتسب" لابن جني (١/ ٢٠٨) "حيث قال: "ينبغي أن يكون رفعُهُ بالابتداء، والخبر محذوف دل عليه ما تقدمه من قوله سبحانه: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}، أي: وأرجلُكم واجبٌ غسلُها، أو مفروض غسلُها، أو مغسولة كغيرها، ونحو ذلك". وانظر: "التبيان في إعراب القرآن" للعكبري (١/ ٤٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>