أما التخيير في كفارة اليمين، فقد وَرَدَ نصًّا في قوله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}[المائدة: ٨٩]، حيث خُيِّرَ المُكَلَّف بين الإطعام والكسوة وتحرير رقبةٍ، فأَيُّ صِنْفٍ من هذه الأصناف الثلاثة قام به المكلَّف، أَجْزَأه عن كفارة يمينِهِ.
وهَذَا في الحقيقة -كما أَسْلَفْنَا- إنَّما هو ما ذهب إليه ابن جرير الطبري، فابن جَرِيرٍ لما تساوت عنده القراءتان، حَمَلَ المسألة على التخيير كمَا هو الحال في كفارة اليمين.
أمَّا الظاهريَّة، فليسَ الأمر عندهم مماثلًا لهذا كما يوحي كلام المؤلِّف، وإما بعض الظاهرية لمَّا حملوا القراءتين على ظاهرهما، ورأوا قراءة النصب نصًّا في الغسل، وقراءة الخفض نصًّا في المسح، فحِينَئذٍ لم يَقُولوا بالتخيير، وإنما قالوا بوُجُوب الأمرين جميعًا خروجًا من الخلاف.
فَالتَّخْييرُ هُوَ مَسلَكُ ابن جريرٍ الطَّبري، ووجوب الأمرين هو مَسلَكُ بعض أهل الظاهر.
فالجُمْهُورُ في تأويل قراءة الخفض على أنَّ العطف هنا لا يختصُّ بالمعنى، وإنما اختصاصه باللفظ فقط، ففي قوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} لما كان لفظ (برؤوسِكم) مخفوضًا، خُفِضَ لفظ (أرجلِكم) تبعًا له؛ مراعاةً للفظ، ويبقى المعنى على خلاف ذلك (١).
(١) يُنظر: "التبيان" للعكبري (١/ ٤٢٢) حيث قال: "ويقرأ بالجر، وهو مشهور أيضًا كشهرة النصب، فيها وجهان، أحدهما: أنها معطوفة على الرؤوس في الإعراب، والحكم مختلف، فالرءوس ممسوحة، والأرجل مغسولة، وهو الأعراب الذي يُقَال: هو على الجوار، وليس بممتنعٍ أن يقع في القرآن لكثرتِهِ، فقد جاء في القرآن والشعر". وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس (١/ ٢٥٩).