للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمع بين الظهر وبين العصر (١)، فليس فيه أنه عجل، بل فيه أنه صلى قبل أن يرتحل، وعليه فكلٌّ من الصفتين جائز (٢).

وقد عُلِم أن من عادة المسافر إذا ركب قبل الوقت أن نفسه تتوق دائمًا إلى أن يقطع مسافة، أو جزءًا من السفر الذي يريده، حتى وإن كان في سيارة، وهذا أمرٌ معروفٌ عند الناس عمومًا.

* قالَ: (وَمَنْ لَمْ يَذْهَبْ هَذَا المَذْهَبَ فَإِنَّمَا رَاعَى ظَاهِرَ حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ).

حديث أنس المشار إليه ما أخرجه البخاريُّ عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، قال: "كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يجمع بين صلاة المغرب والعشاء في السَّفر" (٣).

ولم يَرِد فيه: "عَجِل" (٤).

* قَالَ: (وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا -كَمَا قُلْنَا- فِي نَوْعِ السَّفَرِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الجَمْعُ).

سبق أن فَصَّلنا هذه المسألة، فاللَّه -عزَّ وجلَّ- في كتابه العزيز أطلق السَّفر، فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: ٤٣]، وكذلك ما جاء -أيضًا- في الصيام، فإن اللَّه -سبحانه وتعالى- ذكر السَّفر مطلقًا (٥)، وفي قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ


(١) يُنْظَر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (٤/ ٩٦)؛ حيث قال: "فجاء في هذا الحديث ما يقطع الالتباس في أن للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر إذا زاغت الشمس؛ نازلًا كان أو سائرًا، جَدَّ به السير أو لم يجدَّ".
(٢) يُنْظَر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (٣/ ٩٦)؛ حيث قال: "وكلا الفعلين قد صحَّ عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ جمع حين جَدَّ به السير، وجمع دون ذلك، وليس ذلك بتعارض، بل كلُّ واحدٍ حكى عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ما رأى، وكُلٌّ سُنَّة".
(٣) أخرجه البخاري (١١٠٨).
(٤) يُنْظَر: "اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح" للبِرْماوي (٤/ ٥٢٦)؛ حيث قال: "قوله: (في السَّفر): فيه أنه لا فرق بين الجد فيه وعدمه".
(٥) يعني: قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>