للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْأَرْضِ. . .} [النساء: ١٠١] أيضًا، وأحاديث الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ كحديث يَعلى بن أمية (١) وغيره من الأحاديث، كلها جاء السفر فيها مطلقًا دون تقييد، وهذا هو مذهب الحنفية (٢).

والجمهور يستدلون بأن الأصل في التخفيف في السفر المشقة (٣)، ومعلوم من مقاصد هذه الشريعة ومن أهدافها: أنها تُخفف عن المسلم؛ رأفةً به ورحمةً ورفعًا للمشقة والحرج عنه، والعاصي لو خُفِّف عنه لكان في ذلك إعانةً له وتيسيرًا له للوصول إلى معصيته في أقرب وقت؛ فلا ينبغي أن يكون كذلك؛ فإذا أراد العاصي أن يتمتع بهذه الرخصة؛ كأن يأكل من الميتة -مثلًا- إذا اضطر إليها، أو أن يدفع الغصَّة بما لا يجوز، أو أن يقصر الصلاة وأن يجمع بين الصلاتين، فعليه أن يتوب إلى اللَّه -سبحانه وتعالى- توبة نصوحًا، فإذا تاب أصبح كغيره يجوز له الترخص، وأما قبل التوبة، فلا نُيَسِّر عليه؛ لأن: "الرُّخص لا تُناط بالمعاصي" (٤)، وهذه قاعدة معروفة.


(١) أخرج مسلم (٦٨٦): عن يعلى بن أمية، قال: "قلت بعمر بن الخطاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ فقد أمن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بها عليكم؛ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَه".
(٢) يُنْظَر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ١٤٩)؛ حيث قال: " (لا يجمع بين صلاتين في وقت إحداهما في حَضَر ولا في سفر) ما خلا عرفة ومزدلفة؛ فإن الحاج يجمع بين الظهر والعصر بعرفات فيؤديهما في وقت الظهر، وبين المغرب والعشاء بمزدلفة فيؤديهما في وقت العشاء"، وعليه؛ فلم يتكلموا في نوع السفر الذي يجوز فيه الجمع؛ لأنه لا جمع عندهم إلا في السفر المذكور، وهو سفر طاعة".
(٣) عند المالكية؛ يُنْظَر: "الذب عن مذهب الإمام مالك" لابن أبي زيد القيرواني؛ حيث قال: "أصل القَصر في السفر والفِطر تخفيفًا وتيسيرًا لمشقة السَّفر".
وعند الشافعية؛ يُنْظَر: "الأم" للشافعي (١/ ٩٥)؛ حيث قال: "في الجَمع في السَّفر عِلَّة المشقة".
وعند الحنابلة؛ يُنْظَر: "الممتع في شرح المقنع" للتنوخي (١/ ٥٠٦)؛ حيث قال: "القصر إنما جاز لمشقة السفر".
(٤) يُنْظَر: "المنثور في القواعد الفقهية" للزركشي (٢/ ١٦٧)؛ حيث قال: "الرُّخص لا تُناط بالمعاصي؛ ومِن ثَمَّ: العاصي بسفره لا يَترخص بالفطر، والقصر، والجمع. . . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>