للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وامرؤ القيس في هذا البيت يُشَبِّهُ هذا الجَبلَ وَقْت انحدَار أوَّل السَّيل بالشَّيخ المُلْتَفِّ في بِجَادٍ، أيْ: في كِسَاءٍ (١).

وَالشَّاهد هاهنا قولُهُ: (مُزَمَّل)؛ حيث جاء مجرورًا، بينما القياس أن يأتي بالرفع (مُزَمَّلُ)، فهو صفة لقوله: (كبيرُ) الذي يستحق الرفع؛ لوقوعه في الجملة خبرًا لـ (كأنَّ).

وفي هذا البيت كذلك، والذي يقول فيه الشاعر:

وظل طهاة اللحم من بين منضجٍ … صفيفَ شواءٍ (٢) أو قديرٍ معجلِ (٣)

حيث جاءت (قديرٍ) مجرورةً، وكان القياس أن يقول: (صفيفَ شواءٍ أو قديرًا) بالنصب؛ لأن الطبخَ معطوفٌ على الشَّيِّ.

(وَأَمَّا الفَرِيقُ الثَّانِي وَهُمُ الَّذِينَ أَوْجَبُوا المَسْحَ، فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوا قِرَاءَةَ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا عَطْفٌ عَلَى المَوْضِعِ كلمَا قَالَ الشَّاعِرُ: فَلَسْنَا بِالجِبَالِ وَلَا الحَدِيدَا (٤)).

فالقياس في قول الشاعر أن يقول: (ولسنا بالجِبَالِ ولا الحديدِ)، ولكنه عَطَفَ على المحل، والمحل إنما هو منصوب.

وفي قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦]، نجد المحل في قوله: (رؤوسكم) منصوبًا؛ فلو أن الباءَ محذوفة، لَكَانَ قوله: (رؤوسكم) معطوفًا على المنصوبات.


(١) قال ابن الشجري في "الأمالي" (١/ ٣٥٥): "شبَّه الجبل في أوائل الوبل، وهو المطر الشديد الوقع، العظيم القطر، بكبير قوم متلفِّف بكساء".
(٢) صف اللحم يصفه صفا، فهو صفيف: شرَّحه عراضًا. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (٩/ ١٩٥).
(٣) يُنظر: "ديوان امرئ القيس" (ص ٦٢).
(٤) البيت لعقيبة بن هبيرة الأسدي. انظر: "المقتضب" للمبرد (٢/ ٦٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>