للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصر الإجماع عليهم، بل إجماعهم جزء من إجماع العلماء لا كله؛ فالإجماع لا يقتصر على طائفة أو على بلد.

* قوله: (وَكَانَ مُتَأَخِّرُوهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ مِنْ بَابِ نَقْلِ التَّوَاتُرِ، وَيَحْتَجُّونَ فِي ذَلِكَ بِالصَّاعِ وَغَيْرِهِ مِمَّا نَقَلَهُ أَهْلُ المَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَالعَمَلُ إِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ، وَالفِعْلُ لَا يُفِيدُ التَّوَاتُرَ إِلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِالقَوْلِ، فَإِنَّ التَّوَاتُرَ طَرِيقُهُ الخَبَرُ لَا العَمَلُ، وَبِأَنَّ جَعْلَ الأَفْعَالِ تُفِيدُ التَّوَاتُرَ عَسِيرٌ، بَلْ لَعَلَّهُ مَمْنُوعٌ، وَالأَشْبَهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ عُمُومِ البَلْوَى الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ).

يعني: أن الصاع الذي اعتبره الفقهاء إنما هو ما تناقله أهل المدينة من صاع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فيريدون أن يجعلوا إجماع أهل المدينة أو عمل أهل المدينة حُجَّة، كالصاع المتفق عليه (١).

واعتراض المؤلف على هذا بأن أقصاه أن يكون من باب عموم البلوى الذي يذهب إليه أبو حنيفة وغيره؛ كطين الشوارع، وما لا نفس له سائلة، وما يحصل عند دوس الدَّواب في حرث القمح، والجروح اليسيرة والدمامل وغيرها، فكله معفو عنه؛ لأن البلوى تعم به.

(وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمْثَالُ هَذِهِ السُّنَنِ -مَعَ تَكَرُّرِهَا وَتَكَرُّرِ وُقُوعِها- أَسْبَابَهَا غَيْر مَنْسُوخَةٍ، وَيَذْهَبُ العَمَلُ بِهَا عَلَى أَهْلِ المَدِينَةِ الَّذِينَ أَتْقَنوا العَمَلَ بِالسُّنَنِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ).

لكن يمكن أن يُجاب عنه بأن أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- انتشروا في


= أصحابنا: إنه حُجة، وما سمعت أحدًا ذكر قوله إلا عابه، وإن ذلك عندي معيب. انتهى".
(١) يُنْظَر: "العدة في أصول الفقه" لأبي يعلى الفراء (٤/ ١١٥١)، حيث قال: "ولا يجوز أن يحمل ذلك على عمل أهل المدينة إذا ظهر؛ مثل نقلهم للصاع؛ لأن هذا إن كان عن خبر مستفيض فلا يَخفى، وإن كان عن اجتهاد فاجتهادهم لا يلزم غيرهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>