للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَلِمَا ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَعَمَلِ الأَئِمَّةِ وَالخُلَفَاءِ بَعْدَهُ بِذَلِكَ، وَشَذَّ أَبُو يُوسُفَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقَالَ: لَا تُصَلَّى صَلَاةُ الخَوْفِ بَعْدَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بإِمَامٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا تُصَلَّى بَعْدَهُ بِإِمَامَيْنِ، يُصَلِّي وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِطَائِفَةٍ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي الآخَرُ بِطَائِفَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ الحَارِسَةُ رَكْعَتَيْنِ أَيْضًا، وَتَحْرُسُ الَّتِي صَلَّتْ) (١).

وقد أخذ أبو يوسف ذلك من قول اللَّه -سبحانه وتعالى-: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: ١٠٢] (٢).

وهذا لا يمنع أن تَدخل أمته فيها؛ فمن المقرر في علم أصول الفقه أن الخطابات قد تأتي موجهة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأمته داخلة في ذلك (٣)، فكون اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خَاطَبَه بقوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} لا يمنع أن تكون أُمَّته داخلة معه، بل هي داخلة في ذلك دخولًا أوليًّا.


(١) يُنْظَر: "المبسوط" للسرخسي (٢/ ٤٥)، حيث ذكر مذهب أبي يوسف، فقال: "كل طائفة يتمكنون من أداء الصلاة بإمام على حِدة، فلا يجوز لهم أداؤها بصفة الذهاب والمجيء".
(٢) يُنْظَر: "المبسوط" للسرخسي (٢/ ٤٥)، حيث ذكر وجه استدلال أبي يوسف من الآية، فقال: "فقد شَرَط كونه فيهم لإقامة صلاة الخوف".
(٣) يُنْظَر: "الواضح في أصول الفقه" لأبي الوفاء بن عقيل (٣/ ١٠٢)، حيث قال: "فصلٌ في الدلالة على دخولِ غيرهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حكم خطابه: هو أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- جُعل منارًا للأحكام، وعَلَمًا عليها، وقدوةً يُقتدى به فيها، فصَارَ خطَابُ اللَّه سبحانه له خطابًا لجميع مَن دعاه إلى الإِسلام، وكذلك حسن قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١]، ولم يقل: فطلِّقْهن، وهذا يدُلُّ على أنه إذا خاطبه فقد خاطب أُمَّتَهُ، وجعل خطابه له نائبًا مناب خطابهم. ومن ذلك قوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ} [الأحزاب: ٣٧]، فأخبر أنه إنَّما أباحَهُ ذلك ليكونَ مبيحًا لجميع الأُمَّةِ، ولو كان الأمر يخصُّهُ لما انتفى عنهم الحرجُ بنفي الحرجِ عنه، فصارَ كأنَّه يقول: أرخصنا لكَ في تزويجِ أزواجِ أدعيائكَ؛ لنُرخِّص لأمتكَ بذلك اقتداءً بك، ونزولًا على ما شُرع لك، فثبت بهذا أنهم مشاركوه في الحكم الذي يُخاطب به. . . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>