للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما رأى أبو يوسف -صاحب أبي حنيفة- أن هذه مزية لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي فضيلته وفضله على غيره، وهذا أمر مُجمع عليه، ولا يُنازع فيه مسلم، وهذه الفضيلة تجبر ما في صلاة الخوف من نقص وإخلال بالواجبات وتبديل ونحوه. ولا يتحقق ذلك في غير رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (١).

وقد أجاب العلماء عن ذلك: بأن الفضيلة لا تُسوغ ترك الواجب؛ حتى وإن كانت الصلاة مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأداءُ الواجب أَوْلَى (٢).

ولم يَعرض المؤلف لقول المزني -من أصحاب الإمام الشافعي- بأن صلاة الخوف قد نُسِخت.

ولا ينازع المزني في قيام صلاة الخوف في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكنه يراها مَنسوخة (٣)، وقد استدل بأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَوَّت عِدَّة صلوات يوم الخندق؛ يوم الأحزاب، كما قال تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠)} [الأحزاب: ١٠].

لمَّا حاصر المشركون المؤمنين يوم الخندق، وأشار سلمان الفارسي على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بحفر الخندق، وكان موقفًا رهيبًا مخيفًا، فانشغل المسلمون عن عدة صلوات، هي: الظهر والعصر والمغرب؛ قالوا: فكون


(١) يُنْظَر: "المجموع" للنووي (٤/ ٤٠٥)، حيث حكى هذا الاستدلال عن أبي يوسف، فقال: "قال: والتغيير الذي يدخلها كان ينجبر بفعلها مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، بخلاف غيره".
(٢) يُنْظَر: "المجموع" للنووي (٤/ ٤٠٥)، حيث قال: "وأمَّا الجواب عن انجبار الصلاة بفعلها خلف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقد قال أصحابنا: الصلاة خلفه -صلى اللَّه عليه وسلم- فضيلة، ولا يجوز ترك واجبات الصلاة لتحصيل فضيلة، فإن لم تكن صلاة الخوف جائزة مطلقًا لما فعلوها".
(٣) يُنْظَر: "المجموع" للنووي (٤/ ٤٠٥)، حيث قال: "وقال المزني: كانت ثُمَّ نُسخت في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. . . واحتج المزني بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فاته صلوات يوم الخندق، ولو كانت صلاة الخوف جائزة لفَعلها ولم يفوت الصلاة. . .، (وأما الجواب) عن احتجاجهم بالآية، فقد سبق أنها حجة لنا؛ لأن الخطاب والأصل التأسي".

<<  <  ج: ص:  >  >>