للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذا يَرُدُّه أن المسحَ إنَّما هو الذي يمكن فيه حصول اللمعة، وعَدم استيعابه للمحل كاملًا، أما الغَسل فمن شأنه ألا تجد بعد تمامه مثل هذه اللُّمْعة، فهذا يعضد قول جمهور العلماء لا القول الآخر.

ولذا، ففي حديث عُمَرَ -رضي الله عنه- لما رأى الرجل يصلي وفي قدمه قدر لمعةٍ لم يُصِبْهَا الماء، أَمَرَهُ بالإعادة، وَفِي بَعْض الرِّوايات في "صحيح مسلمٍ" أنها كانت قَدْرَ ظُفْرٍ، فَأَمَرَهُ أن يَتَوَضَّأَ، وقال له: "أَحْسِنْ وُضُوءَكَ" (١)، فَذَهَبَ وَتَوَضَّاَ، فالإنكار هاهنا إنَّما هو على المسح لا الغَسل.

(وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي الغَسْلِ، فَفَرْضُهُ الغَسْلُ فِي جَمِيعِ القَدَمِ، كمَا أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي المَسْحِ، فَفَرْضُهُ المَسْحُ عِنْدَ مَنْ يُخَيِّرُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا جَاءَ فِي أَثَرٍ آخَرَ خَرَّجَهُ أَيْضًا مُسْلِئم أَنَّهُ قَالَ: فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى: "ويلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ"، وَهَذَا الأَثَرُ وإنْ كَانَتِ العَادَةُ قَدْ جَرَتْ بِالاحْتِجَاجِ بِهِ فِي مَنْعِ المَسْحِ، فَهُوَ أَدَلُّ عَلَى جَوَازِهِ مِنْهُ عَلَى مَنْعِهِ، لِأَنَّ الوَعِيدَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ فِيهِ بِتَرْكِ التَّعْمِيمِ لَا بِنَوْعِ الطَّهَارَةِ، بَلْ سَكَتَ عَنْ نَوْعِهَا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهَا).

ولا شك أن هذا الأثر لا يؤيد ما ذهب المؤلِّف إليه، وإنما هو حُجَّةٌ لمذهب الجمهور، ولا يؤيد ما ذَهَب إليه؛ لأنَّه قال: هذه الأحاديث تدلُّ للمذهب الآخر.

وممَّا يُضْعف القولَ بالمسح أن المسحَ في اللُّغة يُطلَق على الغَسل (٢)، فالغَسل يُسمَّى غَسلًا إذا بُولِغَ فيه، وقد يُسَمَّى مسحًا، وهذا


(١) أخرجه مسلم (٢٤٣).
(٢) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (٤/ ٣٢٧): "والمَسْحُ يكون مسحًا باليد وغسلًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>