للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• الجواب الثاني: أن المشهور أن صلاة الخوف نزلت بعد غزوة الأحزاب؛ فأنى يتأتى نسخ المتأخر بالمتقدم (١)؟!

وبذلك يتبين ضعف هذين القولين، ويظهر أن الحق هو ما ذهب إليه أئمة العلماء من الفقهاء والمحدثين؛ ومنهم الأئمة الأربعة من مشروعية صلاة الخوف، وأنها لم تُنسخ، ولم تكن خاصة برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

ولا يخفى أن أعلم الناس بسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هم الذين شاهدوا التنزيل، ونهلوا من مشكاته عليه الصلاة والسلام، وأخذوا الحلم غضًّا طريًّا لم تَشبه شائبة، ولم يخالطه كدر ولا إشكال، وهم أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد صلوا صلاة الخوف فلا حُجة بعد حجتهم، ولا قول بعد أقوالهم، لا سيما وقد اتفقوا؛ فلا يسعنا خلافهم، أما إذا اختلفوا، فحينئذ يُجتهد في أقوالهم (٢).

فينبغي أن نقف حيث أجمعوا، ولا يعني ذلك ذم أبي يوسف، أو المُزني، بل هما عالمان مجتهدان، ولكنهما أخطآ في فهمهما وفي اجتهادهما، وإذا اجتهد القاضي فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجرٌ واحد؛ لأن غرضهما الحق لا غير.

ولا يسمح المقام بذكر تفاصيل اختلاف العلماء في هذه المسألة؛ فبعضهم يُفرِّق بين أن يكون العدو في جهة القبلة بحيث يراه المسلمون، وبين أن يكون العدو في غير القبلة (٣).


(١) يُنْظَر: "المجموع" للنووي (٤/ ٤٠٥)، حيث قال: "وأمَّا دعوى المزني النَّسخ، فجوابه: أن النسخ لا يَثبت إلا إذا علمنا تقدم المنسوخ وتعذر الجمع بين النصين، ولم يُوجد هنا شيء من ذلك، بل المنقول المشهور أن صلاة الخوف نزلت بعد الخندق؛ فكيف ينسخ به؟ ".
(٢) يُنْظَر: "المجموع" للنووي (٤/ ٤٠٦)، حيث قال: "لأن الصحابة أعلم بذلك، فلو كانت منسوخة لما فعلوها، ولا نكروا على فاعليها".
(٣) وهم الشافعية والحنابلة؛ يُنظر للشافعية: "المجموع" للنووي، حيث قال: "قال أصحابنا: وإنما تُستحب هذه الصلاة بثلاثة شروط: أن يكون العدو في غير القبلة، =

<<  <  ج: ص:  >  >>