للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلقًا؛ كالمشلول الذي لا يستطيع النهوض؟ أو هو الذي يستطيع النهوض ولكن تَلحقه مضرة بالقيام يُسَمِّيها الفقهاء: المشقة.

وإن قلنا: إن المقصود بذلك مَن تلحقه مشقة، فما نوع هذه المشقة؟

فالمشقات تتفاوت، وليست كلها على نسق واحد، ولا مرتبة واحدة؛ فَمِن المشاق ما يترتب عليه لحوق ضَرر بَيِّن قد يؤدي إلى إزهاق النفس أو ذهابها، ومن المشقة ما قد يؤدي إلى ذهاب عضو من أعضاء الإنسان، ومنها ما هو سهل يسير، ومنها ما يأتي منزلة بين المنزلتين؛ فلا تصل إلى درجة لحوق الهلاك بالإنسان، ولا تَنزل إلى درجة المشاق اليسيرة.

* قوله: (وَقَوْمٌ قَالُوا: هُوَ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ القِيَامُ مِنَ المَرَضِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ).

ليس هذا مذهب مالك فحسب، بل هذا هو رأي جماهير العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة (١)، وهو الذي يلتقي مع رُوحِ هذه الشريعة ولُبِّها، والمقصود: مَن يَلحقه مشقة وضرر بقيامه.


(١) يُنْظَر في مذهب الأحناف: "الدر المختار" (٢/ ٩٦)، حيث قال: " (مَن تَعَذَّر عليه القيام)؛ أي: كله (لمرض) حقيقي، وحَدُّه: أن يَلحقه بالقيام ضررٌ به، يُفتى (قبلها أو فيها)، أي: الفريضة، (أو) حكمي بأن (خاف زيادته أو بُطء بُرئه بقيامه، أو دوران رأسه، أو وجد لقيامه ألمًا شديدًا)، أو كان لو صَلَّى قائمًا سلس بوله، أو تَعَذَّر عليه الصوم كما مَرَّ - (صَلَّى قاعدًا) ".
وفي مذهب المالكية: "الشَّرح الكبير" للدردير، حيث قال: " (يجب بفرض)، أي: في صلاة فرض (قيام) استقلالًا للإحرام والقراءة وهوي الركوع. . . (إلا لمشقة) لا يَستطيع معها القيام".
وفي مذهب الشافعية: "مغني المحتاج" (١/ ٣٤٩)، حيث قال: "قال الرافعي: ولا نعني بالعجز: عدم الإمكان فقط، بل في معناه: خوف الهلاك، أو الغرق، وزيادة المرض، أو لخوف مشقة شديدة، أو دوران الرأس في حَقِّ راكب السفينة، كما تقدم بعض ذلك. قال في "زيادة الروضة": والذي اختاره الإمام في ضبط العجز: أن تلحقه مشقة تُذهب خشوعه، لكنه قال في "المجموع": إنَّ المذهب خلافه".
وفي مذهب الحنابلة: "شرح منتهى الإرادات" (١/ ٢٨٧)، حيث قال: " (فإن عجز) عن القيام كذلك، (أو شَقَّ) عليه القيام (لضرر) يَلحقه به، (أو زيادة مرض، أو بُطء برء ونحوه)؛ كوهن بقيام، (فـ) إنه تلزمه المكتوبة (قاعدًا) ".

<<  <  ج: ص:  >  >>