للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهم هو: هَلْ يَسْقُطُ فَرْضُ القِيَامِ مَعَ المَشَقَّةِ أَوْ مَعَ عَدَمِ القُدْرَةِ؟ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ).

ليس المراد بقوله: (وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ): أنَّه ليس فِيمن عَجز عن القيام نصٌّ بالجلوس، وإنَّما مراده أنه ليس هناك نصٌّ يُبَيِّن: هل المراد بالعاجز عن القيام هو العاجز مطلقًا، أو هو الذي يستطيع ولكن تلحقه مشقة؟ ولذلك لا يصحُّ تَعليق البعض بقولهم: "بل فيه نصٌّ"، ثم يُورد حديث عمران بن حصين، وفيه: قوله عليه الصلاة والسلام: "صَلِّ قائمًا، فإن لَم تَستَطِع فقاعدًا، فإن لم تستَطِع فعلى جَنْبٍ"؛ إذ ليس هذا مراد المؤلف، بل قصد أنه لم يَرِد نَصٌّ يُحَدِّد المراد بعدم الاستطاعة: هل هي العجز، أو القدرة مع لحوق المشقة؟

ومع ذلك؛ فعمومِ أدلة الشريعة دالٌّ على ذلك، فاللَّه سبحانهُ وتعالى عندما يذكر لنا كثيرًا من الأحكام يُذيِّلها -أي: (يختمها) - بذكر الحُكم ثم يَذكر علته؛ فعندما تكلم سبحانهُ وتعالى عن الوضوء والغُسل في سورة المائدة في قوله سبحانهُ وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: ٦]- فَذَكَر الحُكم، ثم قال: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}، والحرج: المَشقة، فاللَّه سبحانهُ وتعالى عندما خَفَّف عن المؤمنين في هذه الأحوال وأنزل التيمم وشَرعه، إنَّما أراد بذلك أن يَرفع المشقة عن المؤمنين.

واللَّه سبحانهُ وتعالى -أيضًا- يقول: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] تذييلًا لآيات الصيام.

وقال سبحانهُ وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٧، ٧٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>