للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا جاء سجود السهو بعضه بعد السلام، وبعضه قبل السلام، ولذلك بيَّن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "فإن كان صلاها رابعةً، شفعن له، وإن كان صلَّاها خمسًا كان ترغيمًا للشيطان" (١). إذ الشَّيطان يُوَسوس للإنسان في صلاته يحاول أن يوقعه، وأن يشوِّش عليه، وأن يُذْهب عنه خشوعه حتى ما يكون من المُفْلحين الَّذينَ أشَار اللَّه إليهم بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)} [المؤمنون: ١، ٢].

فَاللَّه سبحانهُ وتعالى يسَّر على هذه الأمة، فأوجد سجود السهو؛ ليكون ترغيمًا (٢) للشيطان، ودحرًا (٣) له.

إذًا، القصد هنا أنك قد تعيد الصلاة، والإعادة لأجل الترتيب سيأتي الخلاف هنا فيها، هل الصلاة الفائتة تُرَتب أم لا؟

الترتيبُ متعينٌ بين الصلوات: (صلاة الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وهكذا)، لكن في الفوائت هل هناك ترتيب أم لا؟ هذا محل خلاف بين العلماء سيأتي الكلام عنه على وجوب الترتيب (٤)، ولا بد من إعادة الصلاة، لكن يختلف الأمر بين أن تأتي فتجد الإمام قد شرع في صلاة العصر مثلًا وأنت تعلم أنك نسيت صلاة الظهر؛ هنا تدخل معه في هذه الصلاة، وتنوي صلاة الظهر، أما ما تَكلَّمنا عنه فهو أنك


(١) أخرجه مسلم (٥٧١)، ولفظه: "إذا شكَّ أَحدكُمْ في صلاته، فلم يَدْرِ كَمْ صلى ثلاثًا أم أربعًا، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم، فإن كان صلى خمسًا، شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتمامًا لأربع، كانتا ترغيمًا للشيطان".
(٢) "الرُّغم": الكره، و"أرغم اللَّه أنفه" أي: ألزقه بالرغام، وهو التراب؛ هَذَا هو الأصل، ثم استعملَ في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (١٢/ ٢٤٥).
(٣) "دحر": دحره يدحره دحرًا ودحورًا: دفعه وأبعده. والدحر: الدفع بعنفٍ على سبيل الإهانة والإذلال. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (٤/ ٢٧٨).
(٤) سَيَأتي الكلام على مَسْألة وجوب الترتيب بين الصَّلوات في الباب الثاني من الجملة الرابعة في قَضَاء جملة الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>