للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك الحديث الذي مرَّ بنا قبل قليل، وهو حديث عائشة أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا صَلَاة بحَضرة الطعام".

لأنَّ القصدَ من ذلك أن يدخل الإنسان في هذا الرُّكن الثَّانِي من أركان الإسلام وهو مطمئن النفس، مرتاح البال، لا يشغله شاغلٌ عن طاعة اللَّه سبحانه وتعالى، وعن ذِكْرِهِ، وعن تلاوة القرآن، وأداء هذه الصلاة برُكُوعها، وأركانها، وشرائطها، وواجباتها حتى يحصل على عَظِيمِ الثواب من اللَّه سبحانه وتعالى، لَكنَّهم قالوا: لا يختلف حاله عن حال مَنْ يشغله الطعام، ولا كذلك مَنْ ينشغل بأمور الدنيا؛ فكم مِنَ المُصلِّين مَنْ إذا دخل في صلاته، أصبح يفكر في أمور الدنيا يقلبها يمينًا وشمالًا، وهناك أيضًا مَنْ يفكر في أمورٍ أُخرى قد تكون في مصلحة المسلمين، كما أُثِرَ ذلك عن عمر -رضي اللَّه عنه- (١)، ومع ذلك قال العلماء: لم يرد نصٌّ في أن هذه الأشياء تبطل الصلاة، بمعنى أن العلماء لم يقولوا بأنها تبطل الصلاة (٢)، فالخلاف في هذه المسألة هو خلافٌ بين الجمهور وبين غيره.


(١) أخرجه البخاري معلقًا (٢/ ٦٧) عن عمر قال: "إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة".
(٢) وهو مذهب الحنفية، يُنظر: "البحر الرائق" لابن نجيم (٢/ ١٥)، حيث قال: "وبهذا علم أن ترك الخشوع لا يخلُّ بالصحة، بل بالكمال، ولذا قال في "الخلاصة" و"الخانية": إذا تفكر في صلاته فتذكر شعرًا أو خطبةً، فقرأهما بقلبه ولم يتكلم بلسانه، لا تفسد صلاته".
ومذهب المالكية، يُنظر: "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (١/ ٣٤)، حيث قال: "قوله: "تفكر بدنيوي"، أي: ولم يشغله عن الصلاة، فَإِنْ شَغَله حتى لا يدري ما صلى أعاد أبدًا، فإنْ شغله زائدًا عن المعتاد ودَرَى ما صلى، أعاد بوقتٍ. . . ثمَّ إن لم يشغله عن الصلاة، فالأمر ظاهر، وإنْ شَغَله عنها فإن شكَّ في عدد ما صلى، بنى على اليقين، وإنْ لم يدرِ ما صلى أصلًا بطلت. . وَهَذا إذا لم يكن التفكر متعلقًا بالصَّلاة، فإن كان متعلقًا بها كالمراقبة. . فإن لم يدرِ ما صلى، بنى على الإحرام، وإِنْ كان مستحضرًا له، فالحكم واحد في الجميع إلا في هذا الفرع".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (١/ ٣٩١)، حيث قال: " (وفراغ قلب) من الشواغل الدنيوية؛ لأنه أعون على الخضوع والخشوع. وقال القاضي حسين: يُكْره أن يفكِّر في صلاته في أمر دنيوي أو مسألة فقهية، أما التفكُّر في أمور الآخرة، فلا بأس به، وأما فيما يقرؤه فمستحبٌّ". =

<<  <  ج: ص:  >  >>