للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا لا شكَّ أن مَن يؤخّر الصلاة عن وقتها أنَّه مُفرط، فهل يلزمه القضاء أو لا؟

لا شكَّ أنَّ العلماءَ الذي يُعتدُّ بإجماعهم قد أجمعوا على أنَّ من ترَكَ صلاة من الصلوات، أي: أخَّرها عن وقتها متهاونًا في ذلك، بأن خرج عليه الوقتُ متعمدًا غير معذورًا، فيجب عليه القضاء.

إذًا حاله من حيث الحكم كحال الناسي والنائم، يلزمه أن يقضيها. ولم يخالف في ذلك إلَّا ابن حزم، وهو من الظاهرية، صاحب كتاب "المحلى" (١).

أمَّا جماهير العلماء فقد أجمعوا على أنَّه إذا خرج الوقت على إنسان تعمد تأخير الصلاة، فيجب عليه أن يؤدِّيَ تلك الصلاة قلَّتْ أو كثُرَت، ولا تسقط عنه، ولا يرتفع عنه الإثم في هذه الحالة؛ لأنَّه مفرِّط، ولأنَّه أخلَّ بشرط من شروطها، أَلَا وهو الوقت، لكنَّها لا تسقط عنه (٢).

وابن حزم عندما ذهب هذا المذهب، بيَّن أنَّ الصلاة لا تجب في هذه الحال، أي: لا يجب عليه القضاء؛ لأنَّه مفرِّط، وهذه الصلاة لها وقت، وهذا الوقت له بداية ونهاية، وقد خرج عليه الوقت، ومن شروط صحة الصلاة أن تؤدَّى في وقتها. إذًا هذا المفرِّط لم يؤدِّها في وقتها، وهو قادر غير عاجز ولا معذور. إذًا لا تصحُّ منه هذه الصلاة. لكن عليه أن يتوب إلى اللَّه، ويستغفره، ويُكثر من النوافل، والطاعات، والصدقات، وأن يتقرَّب إلى اللَّه سبحانه وتعالى بالأعمال الحسنة، والفضائل حتى يثقل ميزانه، فإذا لقي اللَّه سبحانه وتعالى لعلَّه أن يغفر له.


(١) يُنظر: "المحلى" لابن حزم (٢/ ١٠). حيث قال: "وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فهذا لا يقدر على قضائها أبدًا، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع؛ ليثقل ميزانه يوم القيامة؛ وليتب وليستغفر اللَّه عز وجل".
(٢) يُنظر: "المجموع" للنووي (٣/ ٧١). حيث قال: "أجمع العلماء الذين يعتد بهم على أن مَن ترك صلاة عمدًا لزمه قضاؤها وخالفهم أبو محمد على ابن حزم".

<<  <  ج: ص:  >  >>