للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه مسألة قد تعرض لها ابن حزم في كتابه "المحلى" كثيرًا، لكن لا حاجة لها؛ لأننا لا نرى صحَّة ما تمسك به، وخصوصًا أنَّه خرق الإجماع.

أمَّا جمهور العلماء فيقولون: إذا كان قضاء الصلاة واجبًا في حقِّ الناسي والنائم، فوجوبه في حقِّ العامد أولى، والقضية هنا مقايسة.

ويستدلُّ العلماء بدليل آخر، فيقولون: ليس الذي جامع في نهار رمضان عندما جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: هلكت، قال: "ما أهلكَك؟ "، قال: وقعت على أهلي في نهار رمضان. . . " الحديث الطويل، وجاءت قصة صاحب المكتل، فقال الرسول: "أعتق رقبة. . . " إلى آخر الحديث (١)، جاء في بعض الروايات بإسناد حسن أنَّ الرسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَه أن يصوم ذلك اليوم الذي جامع فيه في نهار رمضان (٢)، فلم يسقطه عنه. إذًا لم تسقط الكفارة عنه، مع أنَّه قد فوَّت وقته الأصلي في ذلك، فقالوا: وهذا كذلك.

إذًا فقدِ استدلُّوا بهذا الدليل، وبقياسه على الناسي المعذور في كثير


(١) أخرجه البخاري (١٩٣٦)، واللفظ له، ومسلم (١١١١)، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: بينما نحن جلوس عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه هلكت. قال: "ما لك؟ " قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل تجد رقبة تعتقها؟ " قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين"، قال: لا، فقال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينًا". قال: لا، قال: فمكث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبينا نحن على ذلك أُتِي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعرق فيها تمر -والعرق المكتل- قال: "أين السائل؟ " فقال: أنا، قال: "خذها، فتصدق به" فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول اللَّه؟ فواللَّه ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: "أطعمه أهلك".
(٢) أخرجه أبو داود (٢٣٩٣) عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أفطر في رمضان بهذا الحديث. قال: فأُتِي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعًا، وقال فيه: "كلْهُ أنت، وأهل بيتك، وصمْ يومًا، واستغفر اللَّه"، وقال الألباني في "الإرواء" (٤/ ٩٣): "صحيح بمجموع طرقه وشواهده".

<<  <  ج: ص:  >  >>