للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القياس يأتي على خلاف العقل؛ لأنَّهم يقولون مثلًا: إنَّ القياس يأتي دائمًا مخالفًا لما يلتقي مع المعقول، فلو كان الدين بالرأي -كما جاء في الحديث- لكان أسفل الخُفّ أولى من أعلاه (١). قالوا: ولذلك نجد أنَّ الذي يحلّ محلّ الوضوء هو التيمم، والتيمم هو التراب، والتراب يلوث الأعضاء، والماء ينظفها. إذًا لا علاقة هنا بين البدل والمبدل في نظرهم. ويقولون: القياس ليس القياس، إنَّما هو بالرأي، ولا ينبغي أن يُقاس على الأمور.

وهم بذلك حقيقة يُنكِرون أمرًا واقعًا معروفًا، فالقياسُ قد أشار اللَّه -سبحانه وتعالى- إليه في كتابه العزيز بقوله: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢]، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عندما جاء ذلك الرجل الذي يبيِّن أنَّه وُلِدَ له ولدٌ يخالف لونُه لونَ أُمِّه أو أبيه، فسأله الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الإبل: "هل له من إبل؟ " فقال: نعم، فقال: "هل فيها من أورق؟ " قال: نعم، قال: "وأنَّى لها ذلك؟ "، كيف إبلك من هذا النوع يكون فيها الأورق؟ قال: لعلَّه نزعه عرق، قال: "وكذلك لعلَّه نزعه عرق" (٢).

وخطاب عمر -رضي اللَّه عنه- لأبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- ذلكم الخطاب العظيم - الذي رسمه له في أبواب القضاء ليسير عليه، وجاء فيه: "اعرفْ الأشباهَ والأمثالَ، وقِسِ الأمورَ برأيك" (٣).

وفي حديث معاذٍ عندما أرسله الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى اليمن، فقال له: "بِمَ تَقْضِي؟ "، قال: بكتاب اللَّه، قال: "فإنْ لَم تجدْ؟ "، قال: فبسُنَّة رسوله،


(١) أخرجه أبو داود (١٦٢)، عن علي، موقوفًا. وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (١٠٣).
(٢) أخرجه البخاري (٥٣٠٥)، (٦٨٤٧). ومسلم (١٥٠٠) واللفظ له. عن أبي هريرة، قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: "فما ألوانها؟ " قال: حمر، قال: "هل فيها من أورق؟ " قال: إن فيها لورقًا، قال: "فأنَّى أتاها ذلك؟ " قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: "وهذا عسى أن يكون نزعه عرق".
(٣) أخرجه الدارقطني (٤/ ٢٠٦)، وأعلَّه الشيخ الألباني في "الإرواء" (٢٦١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>