للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاتين في السفر، وذكرنا اختلاف العلماء بالنسبة للعاصي: أيقصر الصلاة؟ أم يجمع بين الصلاتين؟ (١).

فجماهير العلماء لا يرون القصر للعاصي ولا الجمع بين الصلاتين؛ لأنَّ في ذلك إعانة له، والقصد من ذلك هو ردعه وتهذيبه، ومنعه من تحقيق جريمته؛ لأنَّ في التسهيل عليه إعانة له على ارتكاب ما يريد الوصول إليه، كمَن يسافر ليقطع طريقًا، أو ليسرق، أو لينتهك حرمة، أو ليقتل، أو غير ذلك، فهذا لا يُعان، وإنَّما توضَع له العراقيل التي تحول بينه وبين أن يصل إلى غايته، وأن يحقق هدفه.

وهذا يُؤدِّب الإنسان، وأدلة الشرع جاءت بتأديبه مثل: "أثقل الصلاة على المنافقين؛ صلاة العشاء والفجر"، وقد هَمَّ الرسول أن يحرِّقَ عليهم بيوتهم بالنار (٢). فهذا تهذيب.

إذًا فالمتعمِّد ينبغي أن يُطالَب بأداء هذه الصلاة، والمسألة فيها خلاف يسير.

* قوله: (لِأَنَّ النَّاسِيَ مَعْذُورٌ، وَالعَامِدَ غَيْرُ مَعْذُورٍ، وَالأَصْلُ أَنَّ القَضَاءَ لَا يَجِبُ بِأَمْرِ الأَدَاءِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ مُجَدَّدٍ (٣) عَلَى مَا قَالَ المُتَكَلِّمُونَ).

مراده: أنَّ القضاء لا يجب بأمر الأداء، فاللَّه تعالى يقول: {أَقِيمُوا


(١) تقدَّم مفصلًا، عند قول المصنف "وأما المسألة الثالثة (وهي الأسباب المبيحة للجمع) ".
(٢) أخرجه البخاري (٦٥٧)، ولفظه: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، لقد هممت أن آمر المؤذن، فيقيم، ثم آمر رجلًا يؤم الناس، ثم آخذ شعلًا من نار، فأحرِّق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد".
(٣) يُنظر: "روضة الناظر" لابن قدامة (١/ ٥٧٧). حيث قال: "ولا يفتقر إلى أمر جديد، وهو قول بعض الفقهاء. وقال الأكثرون: لا يجب القضاء إلا بأمر جديد، اختاره أبو الخطاب".

<<  <  ج: ص:  >  >>