للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشافعية (١)، ويقولون: إن الترتيب مقدَّر بيوم وليلة؛ لأنَّك لو رتبت بعد ذلك لحصل تكرار، فلا حاجة له إذن.

أما الذين يقولون بوجوب الترتيب فيستدلون بأدلة (٢)، ولا شكَّ أنَّ النصوص معهم، ولا أدري هل ندرك ذلك أو لا، لكن لا مانع أن نشير إليه، ونعود إليه إن شاء اللَّه تفصيلًا.

وقد فات الرسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الخندق عدَّةُ صلوات؛ فقد أحاط المشركون بالمؤمنين من كل مكان، قال تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠)} [الأحزاب: ١٠]، وفي مثل هذه المواقف قد ينسى الإنسان أو ينشغل عن الصلاة؛ ولذلك جاء في الحديث أنَّ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد فاتته أربع صلوات، ثم بعد ذلك أمر -عليه الصلاة والسلام- المؤذن فأذن، ثم أقام فصلَّى صلاة الظهر كأكملِ ما تكون، ثم بعد ذلك أُقِيمت الصلاة فصلَّى العصر، ثم المغرب، ثم العشاء (٣)، ولم يفت وقت العشاء حينها لكنَّه تأخَّر عن الوقت المعروف.

وهذا الحديث نازع فيه من لا يرى الترتيب، لكن يرد هذا النزاع الحديث الذي في "الصحيحين"، حديث جابر -رضي اللَّه عنه- في قصة عمر -رضي اللَّه عنه- قال: جاء عمر يوم الخندق فأخذ يسبُّ كفارَ قريش؛ لأنَّهم السبب في انشغال المسلمين عن الصلاة، فقال: شغلوني عن صلاة العصر فما كدت أن


(١) يُنظر: "نهاية المحتاج" للرملي (١/ ٣٨١). حيث قال: " (ويسن) (ترتيبه)، أي: الفائت فيقضي الصبح قبل الظهر وهكذا للخروج من خلاف من أوجبه".
(٢) وهم الحنفية والمالكية والحنابلة في الجملة، وسيأتي تفصيل مذاهبهم.
(٣) أخرجه الترمذي (١٧٩)، عن أبي عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود، قال: قال عبد اللَّه: "إن المشركين شغلوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء اللَّه، فأمر بلالًا فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء"، وضعفه الألباني في "الإرواء" (٢٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>