للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكر ذلك من قبل، والعلماء يفرقون بين من يحدث باختياره متعمِّدًا أو ناسيًا، لكنَّه أخرج الحدث، فهذا تبطل صلاته وطهوره، لكن الذي يغلبه الحدث؛ أي: يسبقه الحدث ولا إرادة له في ذلك بطلت طهارته بلا شك، فهل تبطل الصلاة دون قصده؟ بمعنى أنه سيذهب ويتطهر، فإذا عاد إلى الصلاة هل يستأنفها؟ بمعنى يبدأها من أولها، أو يبدأ من المكان الذي انتهى إليه؟ (١).

إذًا -في نظري- حجَّة المالكية في ذلك ضعيفة، والحجة الأقوى مع


(١) لمذهب الحنفية، يُنظر "بدائع الصنائع" للكاساني (١/ ٢٢٠). حيث قال: "وأما بيان ما يفسد الصلاة، فالمفسد لها أنواع: منها الحدث العمد قبل تمام أركانها بلا خلاف حتى يمتنع عليه البناء، واختلف في الحدث السابق -وهو الذي سبقه أي غلبه من غير قصد- وهو ما يخرج من بدنه من بول أو غائط أو ريح أو رعاف أو دم سائل من جرح أو دمل به بغير صنعه. قال أصحابنا: لا يفسد الصلاة، فيجوز البناء استحسانًا".
ولمذهب المالكية، يُنظر: "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (١/ ٢٨٠). حيث قال: "لا يبني بغير الرعاف كسبق حدث أو ذكره أو سقوط نجاسة وذكرها أو غير ذلك من مبطلات الصلاة، بل يستأنفها؛ لأن البناء رخصة يقتصر فيها على ما ورد. وهو إنما ورد في الرعاف".
ولمذهب الشافعية، يُنظر: "المجموع" للنووي (٤/ ٧٦). حيث قال: "فرع: في مذاهب العلماء في جواز البناء لمن سبقه الحدث. . قد ذكرنا أن مذهبنا الصحيح الجديد أنه لا يجوز البناء بل يجب الاستئناف، وبه قال مالك وآخرون، وحكاه صاحب الشامل عن ابن شبرمة، وهو الصحيح من مذهب أحمد. وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى والأوزاعي: يبني على صلاته".
ولمذهب الحنابلة، يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٢/ ٧٦). حيث قال: "فأمَّا الذي سبقه الحدث، فتبطل صلاته، ويلزمه استئنافها. قال أحمد: يعجبني أن يتوضأ ويستقبل. هذا قول الحسن وعطاء والنخعي ومكحول. وعن أحمد أنه يتوضأ، ويبني. وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس؛ لما روي عن عائشة، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من قاء أو رعف في صلاته، فلينصرف، فليتوضأ، وليبن على ما مضى من صلاته". وعنه، رواية ثالثة، إن كان الحدث من السبيلين ابتدأ، وإن كان من غيرهما بنى؛ لأن حكم نجاسة السبيل أغلظ، والأثر إنما ورد بالبناء في الخارج من غير السبيل، فلا يلحق به ما ليس في معناه".

<<  <  ج: ص:  >  >>