للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَاجِبَ إِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الأَفْعَالِ الوَاجِبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ قَالَ: إِنَّ الشُّرُوطَ الوَاجِبَةَ قَدْ يَكُونُ فِي الأَفْعَالِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً).

أمَّا الترتيب بين سُنَنِ الوضوء، كتقديم المَضْمَضة على الاستنشاق، ومثل ذلك، هَلْ هُوَ على الوُجُوب أم لا؟ وهل يجوز للإنسان مثلًا أن يَتَمَضْمَضَ قبل أن يغسلَ يديه أم لا؟

الجواب: أمَّا مَنْ قالوا بعَدَم وجوب التَّرْتيبِ بين الواجبات، فهؤلاء قالوا كذلك بعدم وجوبه بين السُّنن، ولا خلاف بينهم في هذا (١).

وأمَّا الذين قالوا بوجوبه بين الواجبات، فمنهم مَن أَوْجَبَ كذلك الترتيبَ بين السُّنَنِ، وجَعَلَهُ مما لا ينبغي العدول عنه (٢).

ولَا شَكَّ أن سُنَّةَ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- إنَّما هي بيان لكتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، وقَدْ بَيَّنَ الله تَعالَى هذا في كتابه غايةَ البيان في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، فهذه السُّنَّة قد أيَّدَت بعض هذه الأحكام، والتقت مع القرآن فيها جملةً وتفصيلًا، إلى جانب أنَّها قد


(١) يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (١/ ٢٦٣) حيث قال: "ترتيب سنن الوضوء في أنفسها مستحب بأن يقدم غسل يديه على المضمضة، ويقدم المضمضة على الاستنشاق، ويقدم هذه السنن على مسح الأذنين، وكذلك ترتيب السنن مع الفرائض بأن يقدم السنن الأول على غسل الوجه، ويقدم الفرائض الثلاث على مسح الأذنين".
(٢) مذهب الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج " للخطيب الشربيني (١/ ١٨٧) حيث قال: "وبما سيشير إليه بعد ذلك بقوله: ثم الأصح … إلخ. أن الترتيب مستحق لا مستحب، عكس تقدم اليمنى على اليسرى، وفرق الروياني بأن اليدين مثلًا عضوان متفقان اسمًا وصورةً، بخلاف الفم والأنف، فَوَجَب الترتيب بينهما كاليد والوجه، فلو أتى بالاستنشاق مع المضمضة حسبت دونه، أو أتى به فقط حسب له دونها، أو قدمه عليها". وانظر: "المجموع" للنووي (١/ ٤٤٨).
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (١/ ٩٤) حيث قال: " (وتجب الموالاة بينهما وبين بقية الأعضاء)؛ لأنهما من الوجه، أشبها سائره (وكذا) يجب (الترتيب) بينهما وبين بقية الأعضاء كما سبق، و (لا) يجب الترتيب (بينهما وبين الوجه)؛ لأنهما منه كما تقدم".

<<  <  ج: ص:  >  >>