للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الكلام لا يؤول، فالعلماء الذين يعتدُّ بخلافهم متفقون على أنَّه: لو جاء رجل بتكبيرة واحدة -التي هي تكبيرة الإحرام- لكفته، وهذا عند الأئمة الأربعة كلِّهم وأتباعهم، وليس محل خلاف بينهم.

لكن عمر بن عبد العزيز، وحماد بن أبي سليمان، رأيهما مُتأول، وقصدهم من ذلك التأكيد عليها، وليس الإيجاب (١).

وقد أجاب العلماء بذلك، ثُم هذه قضية ثبتت عن بعض الصحابة، ولا يُعرف لهم مخالف في هذه المسألة فنقف عند ذلك.

ومعلومٌ أنَّ أقوال الصحابة نأخذ بها، وأنَّهم إذا اختلفوا نتخير من أقوالهم، فننظر ما هو أقرب إلى الدليل، ولا نتخير ما يوافق رغباتنا (٢)، بل ما يوافق الدليل، والصحابة بشر، وقد يختلفون في مسائل، فأبو بكر -رضي اللَّه عنه- فاتته أمور، ورجع إلى بعض صغار الصحابة، واستشارهم، وأخبروه بأحاديث، لأنَّ أبا بكر قد يغيب عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتأتي أحاديث فيدركها ويحفظها غيره، ولا يحفظها هو، فليس معنى هذا أنَّ الصغير أعلم، فنجد أنَّ أبا بكر -رضي اللَّه عنه- يأتي في مقدمة الصحابة، وعمر، وعثمان، وعلي، فليست القضية قضية مفاضلة في العلم، لكن قد تجد الصغير يحفظ بعض الأمور التي لا تكون عند الكبير؛ وهذا موجود عند طلاب العلم، فقد تجد أستاذًا من أمكن الأساتذة، ومن أوسعهم علمًا، وأغزرهم مادة، تفوته بعض المسائل.

ولو وجدت واحدًا من أصغر طلابي مرَّت به مسائل فحفظها، فليس معنى هذا أنَّه يكون أعلم من الآخر.

إذًا ما جاء عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- ينبغي أن نأخذ به.

وهو قول ثبت عن الصحابة، والأئمة الأربعة وأتباعهم، وهو محلّ


(١) تقدَّم قولهم.
(٢) يُنظر: "روضة الناظر" (١/ ٤٧٠) لابن قدامة حيث قال: "وإذا اختلف الصحابة على قولين: لم يجز للمجتهد الأخذ بقول بعضهم من غير دليل".

<<  <  ج: ص:  >  >>