للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإنَّما قَيَّدُوهُ باعتدال الجَوِّ؛ لأنَّ الأجواءَ تَخْتلف فيما بينها، بحيث تجفُّ الأعضاء بسرعةٍ في الجو الحارِّ، وتجفُّ ببطءٍ في الجو البارد، فقيَّدوه بالمعتدل.

ومنهم مَنْ ضَبَطَ حَدَّ القِلَّةِ والكَثرة بالعادة (١)، بمعنى أن ما اعتَبَرَته العَادةُ تفريقًا فاحشًا ظاهرًا، فهذا هو عَدمُ المُوَالاة، وما اعْتُبِرَ عَادةً غَيْرَ فاحشٍ، فإنَّه هو التَّفريقُ اليسيرُ، استنادًا لمَا جاء في الحديث: "اسْتَفْتِ نَفْسَكَ وَإِنْ أَفْتَوْكَ وَأَفْتَوْكَ وَأَفْتَوْكَ" (٢)، كمَا هو الحال في مسألة التَّفْريق بين الدم القليل والكثير.

وممَّا تجدُرُ الإشارة إليه هاهنا أنَّ الَّذين قالوا بوجوب الموالاة من العلماء وببُطْلان وضوء مَنْ يُفَرِّقُهَا تفريقًا فاحشًا، إنَّما يَقْصدون بكَلَامهم هذا مَنْ يُفرِّقها عبثًا وتساهلًا (٣)، لا مَنْ يُفَرِّقُها لِكَوْنِهِ مُنشَغِلًا بالطهارة، فلو


= منه أنه لو أخَّر مسح الرأس حتى جف الوجه دون اليدين لم يؤثر، ويتمه صحيحًا (في زمن معتدل) الحرارة والبُرُودة (أو قَدْره)، أَيْ: قدر المعتدل من غَيْره، أَيْ: غير المعتدل، من زمنٍ حارٍّ أو باردٍ".
(١) مذهب المالكية: يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (١/ ٢٢٧) حيث قال: "وقيل: بل الطول محدد بالعرف حكَاه القابسي وعياض".
وَمَذْهب الشَّافعيَّة: يُنظر: "النجم الوهاج" للدميري (١/ ٣٥٤) حيث قال: "والأصحُّ في ضابط الكثير: أن يجف المغسول مع اعتدال الزمان ومزاج الإنسان. والقليل: دون ذلك. والمعتبر: آخر غسلة -ويقدر مسح الرأس غسلًا- وقيل: يرجع فيه إلى العادة".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "الإنصاف" للمرداوي (١/ ١٤٠) حيث قال: "وقيل: هو ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الكل، وأطلقهما في المذهب. وقيل: هو ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف أي عضو كان … حكاه ابن عقيل. وعنه: يعتبر طول المكث عرفا. قال الخلال: هو الأشبه بقوله، والعمل عليه".
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢٩/ ٥٢٨) بلفظ: "يا وابصة، استفت نفسك، البِرُّ ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك"، وصححه الأَلْبَانيُّ في "صفة الفتوى" (ص ٥٥).
(٣) يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (١/ ٢٢٣) حيث قال: "وأما الفور ففيه ثلاثة أقوال:
١ - فرض على الإطلاق، وهو قول عبد العزيز بن أبي مسلمة.=

<<  <  ج: ص:  >  >>