للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن إنسانًا غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ وَجَدَ في يديه ما يَمنَع وُصُولَ الماء إلى البشرة، فَاشْتَغَل في إزالته من يديه حتى جَفَّ وَجْهُهُ، فالعُلَمَاءُ هنا لم يَقُولوا ببطلان وضوئه، وإنما قالوا: هو مُشتَغِلٌ في حُكْم الطهارة، وما دام مُشتَغِلًا بحكم الطهارة، فلا تزال، ومثل ذلك ينطبق على المُصَاب بالوسواس، الذي يُكَرِّر الغسل ويَتمَادى في دَلْكِ الأعضاءِ، فالعُلَماءُ علَى أنَّ هذَا أيضًا مَعفُوٌّ عنه.

(فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ المُوَالَاةَ فَرْضٌ مَعَ الذِّكرِ وَمَعَ القُدْرَةِ، سَاقِطَة مَعَ النِّسْيَافي وَمَعَ الذّكْرِ عِنْدَ العُذْرِ).

فَالمَالكيَّةُ يُفَصِّلُون في حُكْم المُوَالَاة، ويُفَرِّقُون بين الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ، فمَشْهور مَذْهب المالكية (١) أن الموالاةَ واجبةٌ مع الذِّكر، ساقطة مع النِّسيان، بما يتفق معِ ما ذَكَره العلماء من مُرَاعاة أصول الشريعة لِمَا يتعلق بالنسيان، بحيث جَعَلتْهُ الشريعةُ أحد أسباب التخفيف، كَمَا قال -صلى الله عليه وسلم-: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ" (٢).


= ٢ - وسنة على الإطلاق، وهو المشهور في المذهب.
٣ - والثالث: فرض فيما يغسل، سنة فيما يمسح، وهو أضعف الأقوال، فعلى الأول يجب إعادة الوضوء والصلاة على مَنْ فرقه ناسيًا أو عامدًا، وعلى الثاني إن فرقه ناسيًا فلا شيء عليه، وإن فرقه عامدًا ففي ذلك قولان؛ أحدهما: أنه لا شيء عليه، وهو قَوْل محمد بن عبد الحكم. والثاني: أنَّه يعيد الوضوء والصلاة لتَرْك سُنَّةٍ من سُنَنها عامدًا؛ لأنه كاللاعب المتهاون، وهذا مَذْهب ابن القاسم، وَمِنْ أَصْحَابنا من يعبر على مذهبه هذا في الفور أنه فرضٌ بالذِّكْر، يسقط بالنسيان. انتهى". يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (١/ ١٠٥) حيث قال: " (ويضر) أيْ: يفوت الموالاة إن جفَّ العضو لـ (إسراف) ".
(١) يُنظر: "التاج والإكليل" للمواق (١/ ٣٢٢)، حيث قال: " (وهل الموالاة واجبة إن ذكر وقدر، وبنى بنية إن نسي مطلقًا، وإن عجز ما لم يطل جفاف أعضاء بزمن اعتدل، أو سنة خلاف)، ابن يونس: الظاهر من قول مالك أن الموالاة مع الذكر واجبة".
(٢) أخْرَجه الطبراني في "المعجم الكبير" (٢/ ٩٧) وفي "مسند الشاميين" (٢/ ١٥٢)، وصححه الأَلْبَانى في "إرواء الغليل" (١/ ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>