للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَالَ أيضًا -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنِ الخَطَإِ وَالنِّسْيَان" (١).

وقال كذلك -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" (٢).

والرِّواية المشهورة عن المالكية هاهنا تلتقي مع الرواية المشهورة عن الحنابلة (٣)، بخلاف المسألة السابقة التي التقى فيها قول الحنابلة والشافعية، وهذه من مزايا دراسة الفقه المقارَن، فالباحثُ فيه يَلْمس حقيقة مَنهَج هؤلاء الفقهاء، ويتبيَّن بجلاء أن الغاية التي يَرُومُون (٤) الوصول إليها إنما هي الوصول إلى الحق لا لشيءٍ سواه.

(مَا لَمْ يَتَفَاحَشِ التَّفَاوُتُ).

وتَفاحُشُ التفاوت هذا كأن يَغسِلَ الإنسانُ وَجْهَهُ، ثمَّ يَخرُج إلى مكانٍ آخَرَ، وينشغل بأُمُورٍ أُخرى كالتِّجارة مثلًا، فهذا قد انْصَرَفَ عن الوضوء، فَحَدَثَ تفاوتٌ كبيرٌ في أثناء وضوئه، بينما الوضوء لا بد من الموالاة فيه عند مَنْ يقول بوجوبها.

(وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ المُوَالَاةَ لَيْسَتْ مِنْ وَاجِبَاتِ الوُضُوءِ).

فهذه المسألة -إذن- على ثلاثة أقوالٍ:

الرأي الأول: أن الموالاة ليست واجبةً، وهذا هو رأي الأكثرين،


(١) أخرجه ابن ماجه (٢٠٤٣)، وصححه الأَلْبَانيُّ في "صحيح الجامع" (١/ ٣٥٨).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٠٤٥)، وصححه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" (١/ ١٢٣).
(٣) يُنظر: "الإنصاف" للمرداوي (١/ ١٤٠) حيث قال: "لا يسقط الترتيب والموالاة بالنسيان على الصحيح من المذهب، وعليه جمهور الأصحاب، وجزم به ناظم المفردات وغيره، وهو منها، وقدمه ابن عبيدان وغيره. وقيل: يسقطان. وقيل: يَسْقط الترتيب وَحْده. قال ابن تميمٍ: قال بعض أصحابنا: تسقط الموالاة بالعذر، والجهل كذلك في الحكم. قاله في "القواعد الأصولية". قال الشيخ تقي الدين: تسقط الموالاة بالعذر، وقال: هو أشبه بأصول الشريعة".
(٤) "رام الشيء يرومه رومًا ومرامًا": طلبه. يُنظر: "لسان العرب" (١٢/ ٢٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>