للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كانَ صلَّاها خَمسًا، شفَعنَ لَه صلاتَه، وإن كانَ صلَّاها أربعًا كان تَرغيمًا للشَّيطانِ" (١).

ومن هذا نتبين أن الشيطان يتابع المؤمن في كل أحواله، وهو يدرك أن أجلّ عبادة بعد الشهادتين يتقرب بها العبد إلى اللَّه -سبحانه وتعالى- هي الصلاة؛ ولذلك يحاول أن يُشوش عليه صلاته، فيظل يُلقي الوساوس بنفسه حتى يتردد ويتشوش، فبيّن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- خلاص المؤمن من ذلك أنه يأتي بما يتيقن، فإن كان التي أتى بها خامسة شفعت له صلاته، وإن كانت رابعة كانت ترغيمًا للشيطان أي: إذلالًا وتحقيرًا ودحرًا وردًّا له؛ لأنه أراد أن يوقع المؤمن في الخطأ، وأن يلبس عليه أمره، فاللَّه -سبحانه وتعالى- أرشده عن طريق رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى التخلص من أكبر عدو يتربص به الدوائر.

وسجود السهو لا نأخذه على أن كل القضية سهو، بل كل مسألة من مسائل الشريعة لو وقف المرء عندها وتتبعها؛ لأدرك فيها من الأسرار ومن الحكم ومن الأحكام الشيء الكثير؛ لأنها شريعة نزلت من اللَّه تعالى أنزلها على عباده فهو -سبحانه وتعالى- الذي وضع فيها هذه الأسرار.

فهذا ما يتعلَّق بسجود السهو؛ ولذلك قال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ أحدَكم إذا قامَ يصلِّي جاءهُ الشَّيطانُ فلبَّسَ عليهِ، فلا يدري كم صلَّى، فإذا وجدَ ذلكَ أحدُكُمْ، فليسجُدْ سجدتينِ وهوَ جالسٌ" (٢).

"فلبَّسَ عليهِ حتَّى لا يدريَ كم صلَّى": أي لبّس عليه الشيطان، وشوش عليه، ألقى الوسواس في نفسه "حتى لا يدري كم صلى" (٣)، ثم بيّن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- المخرج من ذلك فقال: "فإذا وجدَ ذلكَ أحدكم فليسجُدْ سجدتينِ وهوَ جالسٌ".


(١) أخرجه مسلم (٥٧١) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه البخاري (١٢٣٢)، ومسلم (٣٨٩) من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.
(٣) "اللبس: الخلط. يقال: لبست الأمر بالفتح ألبسه، إذا خلطت بعضه ببعض: أي يجعلكم فرقا مختلفين" يُنظر: "النهاية" لابن الأثير (٤/ ٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>