للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتعلق بِنَقْلِ المذاهب، فابن عبد البر يَذكُر آراءَ العلماء، وَربَّما يزيد فيها أحيانًا، فلننتبه لهذا إذن، فربما احْتَجْنَا للرُّجُوع إليه في بَعْض المَسَائل.

وقد نجد أحيانًا أن بعض العلماء -كابن جرير وابن عبد البر- لم يَذْكُرَا مذهب أحمد، فمثلًا ابن عبد البَر لم يَذْكُر الإمامَ أحمدَ في كتاب "الانتقاء"، فهل يُفْهَم من هذا أنه لا يَعْتبره من الفقهاء أم لا؟ والكَلَامُ في هذا يَطُولُ، ويَحْتاج مزيدًا من التفصيل، أمَّا ابنُ رُشْدٍ، فَلَا نَسْتطيع أن نقول: إنه لا يعتبر الإمامَ أحمدَ من الفقهاء، بل هو عنده فقيهٌ مُعتبَرٌ؛ لأنه يذكر رأيَهُ كثيرًا، لكنه يُصَنِّفُ وهو في الأندلس، فمتى ما وَجَدَ رأي الإمام أحمد نَقَلَهُ، وإن لم يجده لم يَنقلْهُ، فلا ينبغي أن نُحَمِّلَ ابنَ رُشدٍ هذه المسألة، لا سيما وقد ذَكَرَ آراءَهُ، وفَصَّلَ فيها في مواضعَ كثيرةٍ.

(وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ الاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي الوَاوِ أَيْضًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُعْطَفُ بِهَا الأَشْيَاءُ المُتَرَاخِيَةُ بَعْضُهَا عن بَعْضٍ).

وَالحَقيقةُ أنَّ هذا كلامٌ غير مُقنِعٍ، فالمؤلف أحيانًا يَخرُجُ إلى الأدلَّة العقليَّة، وقضية (الواو) التي ذَكَرَهَا هاهنا إنما هي استدلالٌ ليس بالقَوِيِّ، فَعُمْدَة القائلين بعَدَم وجوب الموالاة هو الأثر الثابت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، والذي جاء فيه: "أن عبد الله بن عمر كان في السُّوق، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ دُعِيَ إلى جنازةٍ فَدَخَلَ المَسْجِدَ، ثم قَامَ فَمَسَحَ على خُفَّيْهِ بعد أَنْ جَفَّتْ أَعْضَاؤُهُ" (١)، هَذَا هو الأثر الذي اعْتَمَدُوا علَيه، وَدعَّموا به مَذهَبَهُمْ كأقوى دَلِيلٍ لهم في المسألة، فهم يقولون: إن عبد الله بن عمر لَمَّا دُعِيَ إلى الجنازة، مَسَحَ على خُفَّيْهِ بعد فَتْرةٍ من الانقطاع عن الوضوء، وبَعْدَ أن جَفَّت أَعْضَاؤُهُ، ولو كانت الموالاةُ واجبةً، لَمَا فَعَلَ ذَلكَ، فابْنُ عُمَرَ صحابيٌّ، ولا شكَّ أنه يُدْرِكُ


(١) أخرجه مالك في "الموطإ" (٣٦١١)، وصححه النووي في "خلاصة الأحكام" (١/ ٢٠٦)، وقال ابن الملقن في "البدر المنير" (٢/ ٢٦٨): "وهذا الإسناد لا يَشْتبه على أحدٍ صحَّته".

<<  <  ج: ص:  >  >>