للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الأمرَ، ولا شكَّ أنه مِنْ أحْرَص النَّاس على فِعْلِ الرَّسول، وَعَلى الاقتداء به، ولأننا لو افترَضْنَا أن عبد الله بن عمر سَهَا عن ذلك، لأنكرَ علَيه باقي الصَّحابة قطعًا، وحيث لم يُنْكَر على عبد الله بن عمر ذلك الفعل، فَهَذا إنَّما يَدُلُّ على عدَم وُجُوب المُوَالاة.

(وَقَدِ احْتَجَّ قَوْمٌ لِسُقُوطِ المُوَالَاةِ بِمَا ثَبَتَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ فِي أَوَّلِ طَهُورِهِ، وَبُؤَخّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ إِلَى آخِرِ الطُّهْرِ" (١)).

والقَائلُونَ بوُجُوب المُوَالاة (٢) إنَّما يردون هذا الدَّليل بأنَّ هذَا إنَّما يَكُونُ في الغُسْل، والعلَّة في تأخيرِهِ -صلى الله عليه وسلم- غَسْلَ رِجْلَيْهِ، إنَّما هي نظافَة المكَان، أما هنا فالمَسْألة مُتَّصلة لاشْتِرَاكِ الوضوء وَالغُسْل فِي كَوْنِ كلٍّ منهما طَهَارةً، وَهَذَا الاشتراكُ يَقْتضي عدَم الفَصل بينهما في هَذَا المقام، فهذه قضيةٌ خاصَّة، بمعنى أن هذا ليس فيه دليلٌ قاطعٌ على جفاف الأعضاء، فلم يرد فيه إلا أنه يؤخرها، والماء ما زال يفيض على البدن كما هو معلوم: "ثُمَّ أَفَاضَ المَاءَ عَلَى بَدَنِهِ"، فَأَصْرَحُ أدلَّة القائلين بعَدَم الوجوب -إذن- هو أثر ابن عمر -رضي الله عنهما-.

أما القائلون بالوجوب، فلهم أدلةٌ اعتمدوا عليها فيما ذهبوا إليه، وَمِنْ أَصْرَحِهَا: حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في "صحيح مسلم": أن


(١) أخرجه البخاري (٢٦٠)، عَنْ ميمونة "أن النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- اغتسل من الجنابة، فغسل فرجه بيده، ثم دَلكَ بها الحائط، ثم غسلها، ثم توضأ وضوءه للصلاة، فلما فرغ من غسله، غسل رجليه".
(٢) يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (١/ ٢٢٤) حيث قال: "المذهب أن اليسير الذي لا يحرم الموالاة، وحكم الفور لا يفسد … وقال ابن الجلاب في "تفريعه": لا يجوز تفريق الطهارة … واستدل للأول بحديث البخاري، (أنه -عليه الصلاة والسلام- اغتسل ثم تنحى فغسل قدميه". ويُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (١/ ٥١) حيث قال: " (ويسقطان) أي: الترتيب والموالاة (مع غسل) عن حدث أكبر؛ لاندراج الوضوء فيه، كاندراج العمرة في الحج".

<<  <  ج: ص:  >  >>