للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا تَوَضَّأَ، فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ في قَدَمِهِ، فَأَمَرَهُ قائلًا: "أَحْسِنْ وُضُوءَكَ" (١)، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى، فلو لَمْ تكن المُوَالاةُ وَاجِبَةً، لَمَا أَمَرَهُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- بقَوْله هَذَا، وَلَمَا فَهِمَ الرَّجُلُ الأمرَ بإحسَان الوُضُوء.

وقَدْ أجَابَ القَائلُونَ بعَدَم وُجُوب الموالاة على هذا الحديث بأنَّ الأمرَ بإعَادة الوضوء هاهنا لَمْ يكن بسبب تَرْكِ المُوَالاة، ولكن لأنَّه تَرَكَ جزءًا يسيرًا من القَدَم لم يَغْسِلْهُ، فأُمِرَ بِغَسْلِهِ.

وَكَذَلك استدلَّ القائلون بوُجُوب المُوَالاة بأحاديثَ أُخْرَى، ومنها الأَحَاديثُ الَّتي فيها إجمالٌ في الدلالةِ، وَهِيَ أَحَاديثُ صحيحةٌ من طريق عائشة وميمونة وغَيْرهما، بَعْضها مُتَّفَقٌ عليه، وبَعْضها رُوِيَ في "صحيح مسلمٍ"، وبعضها كَذَلك رُوِيَ في كتب السُّنن، كحديث: "وَيْلٌ لِلْأَعْقَاب مِنَ النَّارِ" (٢)، وأجَاب عَنْها القائلون بعَدم وجوب المُوَالاة أيضًا بأنَّ هَذا لا يدلُّ على وُجُوب المُوَالاة، وإنَّما يُفْهَم منه أنَّ مَن تَرَكَ غَسْلَ جزءٍ من العُضو -حتَّى ولو كان بقدر اللمعة- لم يَتِمَّ وضوؤُه بذلك، وَصَار كأنَّه لم يتوضأ.

(وَقَدْ يَدْخُلُ الخِلَافُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ أَيْضًا فِي الاخْتِلَافِ فِي حَمْلِ الأَفْعَالِ عَلَى الوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ).

وَالخلَافُ فِي حَمْل أفعَال الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم- علَى الوُجُوب أم النَّدْب (٣)،


(١) أخرجه مسلم (٢٤٣).
(٢) أخرجه البخاري (٦٠)، ومسلم (٢٤١).
(٣) يُنظر: "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي (١/ ٣٥٠) حيث قال: "إن كان فعل قربةً، فلا يخلو من أن يكون بيانًا لغيره، أو ابتداء من غير سبب، فإن كان بيانًا لغيره، فحكمه مأخوذ من المبين، فإن كان المبين واجبًا، كان البيان واجبًا، وإن كان المبين ندبًا، كان البيان ندبًا، وإن كان فعلًا مبتدأً من غير سبب، ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه على الوجوب إلا أن يدل الدليل على غيره.
والثاني: أنَّه على الندب إلا أن يدل الدليل أنه على الوجوب.
والثالث: أنه على الوقف، فلا يحمل على الوجوب، ولا على الندب إلا بدليل، وهو الأصح". وانظر: "قواطع الأدلة" للسمعاني (١/ ٣٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>