للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّما أرَاد به المؤلِّفُ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كمَا تَوَضَّأَ مُرتِّبًا، فإنَّه كَذَلك كان يُوَالِي بين أعضائِهِ في الوضوء، وهَذِهِ هي حُجَّة القَائِلِين بوُجُوب المُوَالاة.

(وَإِنَّمَا فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ العَمْدِ وَالنِّسْيَان، لِأَنَّ النَّاسِيَ الأَصْلُ فِيهِ فِي الشَّرْعِ أَنَّهُ مَعْفُوّ عَنْهُ إِلَى أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ" (١)).

ولا شكَّ أنَّ النِّسيانَ من أسباب التخفيف التي ذَكَرَهَا العلماءُ (٢) إلى جانب السفر والمرض والقصور والإكراه، فالناسي معفوّ عنه، وليس العفو هاهنا على إطلاقه قطعًا، فلا يَسقُط ركنٌ من أركان الصلاة بالنسيان، فالقضية فيها تفصيلٌ، ولكن من حيث العموم معلومٌ أن الأصل في الناسي أنه معفوٌّ عنه، والدليل على هذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" (٣).

وهذا الحديث قد وَرَدَ بِعِدَّةِ ألفاظٍ، منها أيضًا: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنِ الأُمَّةِ الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ" (٤)، وَ"إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي" (٥)، وله عِدَّةُ طُرقٍ وشواهدُ كثيرةٌ ومتعددةٌ، قد جَمَعَها العلماءُ واستَوْفوها في كتب الحديث، وانْتَهَوْا إلى أنَّ الحديثَ صحيح أو حَسَنٌ.

(وَكَذَلِكَ العُذْرُ يَظْهَرُ مِنْ أَمْرِ الشَّرْعِ أَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي التَّخْفِيفِ).

العُذْر قد يكون مرضًا، وقَدْ يكون سفرًا، وَمثل ذَلكَ، والإنسان إذا كان


(١) سبق تخريجه.
(٢) يُنظر: "الأشباه والنظائر" لابن نجيم (ص ٦٤) حيث قال: "واعلم أن أسباب التخفيف في العبادات وغيرها سبعة:
الأول: السفر … الرابع: النسيان".
(٣) سبق تخريجه.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>