للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذا عُذْرٍ لا شكَّ أن هذا يكون سببًا من أسباب التخفيف عنه في أصل الشرع.

(وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ مِنْ فُرُوضِ الوُضُوءِ (١)، وَاحْتَجُّوا لِذَلِكَ بِالحَدِيثِ المَرْفُوعِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ" (٢)، وَهَذَا الحَدِيثُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ، وَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النِّيَّةُ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى النَّدْبِ فِيمَا أَحْسَبُ) (٣).

والقائلون بوُجُوب التَّسْمية من العلماء إنما يقولون بوجوبها حال الذكر، وبسُقُوطها عَمَّنْ نَسِيَهَا، وقد ذكرنا هذا الكلام مُفَصَّلًا فيما مَضَى.

والسَّبَبُ في قَوْلهم بوُجُوب التَّسمية إنَّما هو حديث: "لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللهَ"، فبعض العلماء استدلَّ بهذا الحديث على وجوب التَّسمية، وأكثرهم لا يَقُول بالوُجُوب (٤)، بل إنَّ بَعْضَهم فَسَّرَ ذَلكَ بأن التَّسميةَ إنَّما


(١) يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (١/ ٩٠، ٩١) حيث قال: "وهو (أي: أول واجب في الوضوء والغسل والتيمم) (التسمية) لحديث: "لا وضوء لمَنْ لم يذكر اسم الله عليه"؛ لأنَّ مَنْ ذَكَرها في الأثناء إنما ذكرها على البعض لا على الكل … فوجب كما لو ذكرها في أوله (فإن تركها)، أي: التسمية (عمدًا) لم تصح طهارته". وانظر: "الإنصاف" للمرداوي (١/ ١٢٨).
(٢) أخرجه أبو داود (١٠١)، والترمذي (٢٥)، وابن ماجه (٣٩٧)، وصححه الأَلْبَاني في "صحيح سنن أبي داود" (١/ ١٦٨).
(٣) نقل الترمذي في "سننه" قول أحمد بن حنبل: "لا أعلم في هذا الباب (التسمية) حديثًا له إسناد جيد". انظر: "السنن" (١/ ٣٨).
(٤) مذهب الحنفية، يُنظر: "البحر الرائق" لابن نجيم (١/ ١٩) حيث قال: " (قوله: كالتسمية) أي: كما أن التسمية سُنَة في الابتداء مطلقًا كذلك غسل اليدين سُنَّة في الابتداء مطلقًا".
ومذهب المالكية، يُنظر: "التاج والإكليل" للمواق (١/ ٣٨٣) حيث قال: " (وتسمية) روى عليٌّ: أنكر مالك التسمية على الوضوء، وقال: ما سمعت بهذا، أيريد أن يذبح أبو عمر يستحب ذكر اسم الله على كل وضوءٍ".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (١/ ١٨٥) حيث قال: "من سننه (التسمية أوله)، أي: أول الوضوء".

<<  <  ج: ص:  >  >>