للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الاختلاف وقع؛ لوجود نصوص، فمنها مواضع سجد فيها الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل السلام، وأُخرى سجد فيها بعد السلام، فمنهم من أخذ بهذا ومنهم من أخذ بهذا، ومنهم من توسط في ذلك فقال: نأخذ بالأدلة جميعًا ولا نعمل ببعضها ونترك البعض الآخر، فنجعل ما قبل السلام للنقص، وما بعد السلام للزيادة، ومنهم من قال: نأخذ بما بعد السلام فنقف عند مورد النص ولا نتجاوزه، وما قبل السلام نُلحق به غيره؛ لأن كل خلل في الصلاة إنما يكون من شأن الصلاة، وشأنها ينبغي أن يكون قبل التسليم منها، ومنهم من اقتصر على مورد النص فقط وهذا قول ضعيف وهذا مذهب أهل الظاهر.

فاختلاف العلماء في هذه المسألة، وغيرها من المسائل الكثيرة؛ إنما القصد منه هو الوصول إلى الحق، فهؤلاء الأئمة يجتهدون في أقوالهم، وكل غايتهم التي يريدون الوصول إليها هي بلوغ الحق من أقرب طريق وأهدى سبيل، فهم لا يريدون مخالفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يريدون الخروج عن الكتاب والسنة، وإنما غايتهم هو العمل بما في كتاب اللَّه -عز وجل- وفي سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكنهم يجتهدون في فهم النصوص وفي تأويلها، وهذا هو شأن العلماء الراسخين في العلم.

* قوله: (وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ فِي المَوَاضِعِ الَّتِي سَجَدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَبْلَ السَّلَامِ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ فِي المَوَاضِعِ الَّتِي سَجَدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعْدَ السَّلَامِ، فَمَا كَانَ مِنْ سُجُودٍ فِي غَيْرِ تِلْكَ المَوَاضِعِ، يَسْجُدُ لَهُ أَبَدًا قَبْلَ السَّلَامِ) (١).

قالوا: لأن ذلك من شأن الصلاة، وشأن الصلاة وما يَحصُل فيها من خلل إنما ينبغي أن يكون في داخلها قبل التسليم منها، هذا هو تعليلها وهو تعليل وجيه.


(١) سبق بيانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>