للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو أن إنسانًا ترك واجبًا، فإنه يُعاقب على تركه، ولو فعله فاللَّه تعالى يثيبه على هذا الفعل، أما لو فعل سُنة أو حتى نافلة؛ فهو يُثاب عليها بلا شك، وسيأتي مزيد الكلام -إن شاء اللَّه- على هذا.

ولو ترك تلكم السُّنة لما عوقب عليها، لما ذُكر في الحديث (المتفق عليه من قصة الرجل النجدي الذي سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الإسلام فذكر له الصلاة؛ فقوله: هل علي غيرها فقال: "لا، إلا أن تطوع" فقال: لا أزيد (١). وفي رواية: لا أزيد على هذا ولا أنقص. فلما ولى مدبرًا قال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفلح إن صدق" (٢)، وفيه روايات عدة.

ولكن لماذا قال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفلح إن صدق"؟ لأنه قال ذلك من قلبه، صادقًا موقنًا؛ فأدرك الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- صدقَ ذلك الرجل، وأنه جاء مقبلًا على اللَّه سبحانه وتعالى يريد الحق ولا يبغي سواه، ومع أنه قَصَر نفسه على الواجبات، قال له النبي: "أفلح إن صدق"، ولأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يطلع على أمور الغيب قيَّد ذلك ووضع الشرط، فقال: "إن صدق".

* قوله: (وَإِنَّمَا تَخْتَلِفَانِ عِنْدَهُمْ بِالأَقَلِّ وَالأَكْثَرِ -أَعْنِي: فِي تَأْكِيدِ الأَمْرِ بِهَا- وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى قَرَائِنِ أَحْوَالِ تِلْكَ العِبَادَةِ؛ وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ اخْتِلَافُهُمْ فِي هَذَا الجِنْسِ كَثِيرًا).

أي: يختلفون هل هذه سُنَّة أو رغيبة؟ هذا هو مراده.

* قوله: (حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ يَرَى أَنَّ فِي بَعْضِ السُّنَنِ مَا إِذَا تُرِكَتْ عَمْدًا إِنْ كَانَتْ فِعْلًا أَوْ فُعِلَتْ عَمْدًا إِنْ كَانَتْ تَرْكًا أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الوَاجِبِ).


(١) أخرجها البخاري (١٣٩٧) عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: أن أعرابيًّا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: "تعبد اللَّه لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان" قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا، فلما ولى، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا".
(٢) أخرجه البخاري (٤٦)، ومسلم (١١/ ٨) عن طلحة بن عبيد اللَّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>