لأنها عقيدةٌ صافيةٌ نقيةٌ، تختلف عمَّا هم عليه من عقائدَ فاسدةٍ، فتَرَكوها لَمَّا لم يجدوا فيها مكانًا للطعن، والتجأوا إلى الفقه الإسلامي، فأَخَذوا يَقْدحون في هذا الفقه، ويتكلَّمون عنه، ويَتَّهمونه بأنه لا يعدو أن يكون حلولًا جزئيةً مفكَّكةً ليس بينها ترابطٌ، ويُقَدِّمُون عليه القانون، وَيرَوْنَه قد وُضِعَ لَه أُصُولٌ وأُسُسٌ.
وقَدْ خَرَج من بين هؤلاء نَفرٌ كان قولُهُم قولَ صدقٍ، فأَنْصَفوا هذا الفقه، وعرفوا قيمتَه، وبَعْضهم قد وَجَّهَ اللومَ لبعض المُسْلمين، وقال: إنَّ على المسلمين أن يُظْهروا هذا الفقه.
وقَدْ حَدث هذا الإنصاف من بعضهم عندما اطَّلعوا على مباحث العلماء، وظهر لهم ما في الفقه الإسلامي من خصوبةٍ (١) وشمولٍ، وقواعد ثابتة مستقرة صالحة لكل زمانٍ ومكانٍ.
بَلْ إنَّه حينما وُجِدَ من بعض الناس مَنْ يدَّعي أنَّ الفقه الإسلامي استفاد من القانون الروماني -حِينَئذٍ وَجَدْنَا منهم مَنْ خرج ليدحض هذه الشبهة، ويُفنِّدها، ويبين عدم صحتها؛ لأن القانون الروماني في الأصل لم يُتَرجَم للعربية إلا في القرن الثالث، بمعنى أن القانون الروماني حينما تُرجِمَ كان الفقه الإسلامي قد نَضَجَ، وعُرِفَ، وتَنَاقَلَتْهُ الأجيالُ، وكَانَ الأئمَّة الأربعة قَدْ وَضَعُوا أصُولَهم، وَدَرَّسُوا مَذَاهبَهم الفقهيَّةَ، وَمَحَّصوها، بَلْ كَانَ تلاميذهم قَدْ بَحَثوا في عِلَلِ الأحْكَام، وخَرَّجُوا على مَسَائِلِ أصْحَاب المَذَاهب، واستَدَلُّوا علَيها، وَكَانت المَوْسوعاتُ قد دُوِّنَت.
وَمَن له اطلاعٌ ومعرفة بتاريخ المذاهب والأدب العربي والتاريخ الإسلامي يجد أن غالب الكتب التي تُرجِمَت من اليونانية وغَيْرها إنَّما عُنِيَتْ في الأَصْل بالفلسفة والمنطق، وهذا قَدْ لا يفيد الإسلامَ، بَلْ قد يكون فيه ضررٌ على الإسلام، أما الفقه، فَهُوَ الَّذي أفادَ غَيْره، حتى إننا لَنَجِدُ أن القانون الفرنسي استفاد كثيرًا من الفقه المغربيِّ؛ لأنه كان موجودًا