للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والناسخ من المنسوخ؛ أي: تكون لديه الأدوات التي تمكِّنه من معرفة أن هذا هو القول راجح وهذا مرجوح، وأن هذا القول صحيح، وهذا ضعيف، وأن هذا القول أدلته قوية، وهذا أدلته ضعيفة، وأن هذا القول قد دلَّ عليه الكتاب والسنة أو أحدهما، وأن هذا دليله العقل وهكذا.

أريد أن انتهي إلى أن طالب العلم دائمًا ينبغي أن يكون مسعاه إلى الحق، فالحق ضالة المؤمن (١)، فليس لأنني درست مثلًا مذهب أحمد، وهذا درس مذهب الشافعي، وهذا مالك، وهذا أبي حنيفة؛ أتعصب للمذهب؛ لأن هؤلاء العلماء أخذوا هذا العلم من الكتاب والسُنة، فما جاؤوا به من عقولهم، وما اجتهدوا فيه من مسائل كلها أيضًا تدور في فلك الكتاب والسنة؛ فإما أن يأخذوا الحكم من الدليل نصًّا من كتاب اللَّه أو السنة، أو من مفهومهما الموافق، أو من مقاصد الشريعة، فدائمًا آراؤهم تدور حول الكتاب والسنة، وهم مع ذلك ليسوا معصومين من الخطأ.

وإذا كان الصحابة -وهم بلا شك أفضل من الأئمة- اختلفوا في مسائل فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ؛ لأنهم بشر (٢)، فما بالك بغيرهم؟!

لكن المؤمن دائمًا إذا عرف الحق فينبغي أن يرجع إليه، كما قال عمر -رضي اللَّه عنه- في خطابه إلى أبي موسى الأشعري وهو يوصيه في موطن القضاء: "الحقَّ الحقَّ! اعرف الأشباه، وقس الأمور برأيك، ولا يمنعنَّك


(١) معنى حديث أخرجه الترمذي (٢٦٨٧)، عن أبى هريرة، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها". وضعفه الألباني في "مشكاة المصابيح" (٢١٦).
(٢) كاختلافهم في التعامل مع مانعي الزكاة بعد التغلب عليهم.
قال الحافظ ابن حجر: "اختلف الصحابة فيهم بعد الغلبة عليهم: هل تغنم أموالهم وتسبى ذراريهم كالكفار أو لا كالبغاة؛ فرأى أبو بكر الأول وعمل به وناظره عمر في ذلك". انظر: "فتح الباري" (١٢/ ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>