للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمنهم من قال -وهو مذهب مالك (١)، والشافعي (٢) -: يبني على اليقين، فإذا شككت في صلاتك بأن كنت في صلاة الظهر فشككت هل هذه الركعة التي قمت إليها هي الثالثة أم الرابعة؟ تبني على اليقين، والبناء على اليقين إنما هو الأخذ بالأقل، بأن تعتبرها ثلاثًا ثم تأتي بالرابعة.

ومثلًا: إذا كنت في صلاة المغرب وقمت للثالثة فشككت هل هي الثانية أم الثالثة فاجعلها الثانية، هذا هو البناء على اليقين. هذا قول أكثر الفقهاء.

ومذهب بعض السلف قال: لا أثر للتردد والشك هنا، يسجد للسهو ولا يضره (٣).

ومنهم من فصَّل القول في هذه المسألة فقال: فرق بين الشك وبين التردد؛ أي: أنك إذا صليت ثلاثًا، ثم دخلك الشك هل كانت اثنتين؟ في هذه الحالة أنت تبني على اليقين، أما لو أن الأمر تساوى عندك، بمعنى لو أنك مثلًا صليت ثلاثًا وقمت إلى الثالثة وشككت هل هي الثانية أو الثالثة، أنت ترى أنها هي الثالثة لكن دخلك الشك، هنا لا تعتد بالشك في هذه الحالة؛ لأنك تحريت (٤) وكان الأرجح عندك أنها الثالثة؛ فهنا لا


(١) انظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للشيخ الدردير" (١/ ١٠٤)، وفيه قال: " (قوله: كالشك في عدد الركعات)؛ أي: فإذا شك هل هذه الركعة ثالثة أو رابعة، فإنه يبني على الأقل؛ لأن الأصل عدم الفعل". وانظر: "الإشراف على نكت مسائل الخلاف"، للقاضي عبد الوهاب (١/ ٢٧٤).
(٢) انظر: "نهاية المحتاج"، للرملي (٢/ ٧٩)، وفيه قال: " (ولو شك)؛ أي: تردد في رباعية (أصلى ثلاثًا أم أربعًا) (أتى بركعة)؛ لأن الأصل عدم إتيانه بها ولا يرجع لظنه ولا لقول غيره أو فعله، وإن كان جمعًا كثيرًا".
(٣) أقرب ما وقفت عليه ما ذكره النووي؛ حيث قال: "وقال الحسن البصري: يعمل بما يقع في نفسه من غير اجتهاد ورواه عن أنس وأبي هريرة". انظر: "المجموع شرح المهذب" (٤/ ١١١).
(٤) التحرى في الأشياء: هو طلب ما هو أَحْرى بالاستعمال في غالب الظن. وفلان يتحرى الأمر؛ أي: يتوخَّاه ويقصِده. انظر: "الصحاح"، للجوهري (٦/ ٢٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>