للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقمت إلى رابعة ودخلك الشك؛ أي: ترددت هل هذه الرابعة أم الثالثة؟ تجعلها الثالثة؛ لأن هذا هو اليقين وتأتي بالرابعة فإنه جاء في الحديث الصحيح وهو حديث أبي سعيد الخدري أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أصلى ثلاثا أم أربعًا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن" (١).

فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرك بطرح الشك وإلغائه ولا تعتد به "فليطرح الشك"، لكن طرح الشك ليس معناه أن تبني على ما شككت فيه، وذلك بمعنى هل هي الثالثة أم الرابعة فتجعلها الرابعة؟ القصد هنا أن تطرح الشك من نفسك وتبني على ما تبرأ به ذمتك ألا وهو الأقل.

قال: "فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كلان صلاها خمسًا شفعن له صلاته" كانت شافعة له "إن كان صلاها أربعًا كان ترغيمًا للشيطان" (٢)؛ أي: إذلالًا ودحرًا وردعًا له (٣)؛ لأنه لبَّس (٤) عليك في صلاتك، فكان ينبغي في هذا المقام أن تكون هنا أذليته؛ لأنك أخذت بما هو أحوط لك في دينك فلم يجد مدخلًا عليك في هذا المقام، وهذا تيسير من اللَّه سبحانه وتعالى على عباده.

هذا هو الحديث الذي تمسك به أكثر الفقهاء فقالوا: يبني على اليقين.

أما الحنابلة في رواية أخري، وهي المشهورة: أنه يتحرى (٥)، وهم


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) تكملة الحديث السابق.
(٣) قال الحميدي: "كانت ترغيمًا للشيطان؛ أي: دحرًا ورميًا له بالرغام وزجرًا، والرغام التراب". انظر: "تفسير غريب ما في الصحيحين" (ص ٢٣٦).
(٤) قال الجوهري: "اللبس بالفتح: مصدر فولك لَبَسْتُ عليه الأمر ألْبِسُ؛ أي: خلطت". انظر: "الصحاح" (٣/ ٩٧٣).
(٥) سبقت، والمذهب على اعتبار الأقل لأنه اليقين، كما سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>