للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي قصَّة الرجل الذي قاتل لا للإسلام، وإنما قاتل عصبيةً، وأخبر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه أنه في النار، ما قاتل لأَجْل الإسلام، إنما قاتل لأجل العصبية (١).

فَلا شكَّ أن إصلاحَ العمَل هو المطلوب في هَذه الحيَاة؛ كما قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ١، ٢].

{أَحْسَنُ عَمَلًا}، ولم يقل: أكثر عملًا، فكَمْ من الناس مَنْ يُكْثر من الأعمال، وَلَكن له سَيئاتٌ كبيرةٌ تحبط أعماله؟! فقد يكون عملُهُ هذا الذي ظاهره الخير والفلاح، رياءً أو سمعةً، كله أو بحضه، والرياءُ محبطٌ للعمل، وقد يعمل الإنسان أعمالًا قليلةً، لكنه يعملها خالصةً لوجه اللَّه.

وقَدْ ينفق نَفَقاتٍ قَليلةً، فيدخل ضمن السبعة الذين يظلُّهم اللَّه في ظله يوم لا ظل إلا ظلُّه، "ورجل تصدَّق بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" (٢)، فَهَذه النَّفقة -وَإِنْ كانت قليلةً- إلا أنها عظيمةٌ؛ قال رَسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" (٣).

فلو قدمت قليلًا تبتغي به وجه اللَّه سبحانه وتعالى، فكل من الحسنات ينتظرك؟ ماذا لو بنيت مسجدًا للَّه؟! في الحديث: "مَنْ بَنَى للَّهِ مَسْجِدًا ولو كمَفْحَصِ قَطاةٍ (٤)، بَنَى اللَّهُ له بيتًا في الجنة" (٥).


(١) أخرجه البخاري (١٢٣)، واللفظ له، ومسلم (١٩٠٤/ ١٤٩)، عَنْ أبي موسى قال: جَاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، ما القتال في سبيل اللَّه؟ فإن أحدَنا يقاتل غضبًا، ويقاتل حميةً، فرفع إليه رأسه، قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائمًا، فقال: "مَنْ قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا، فهو في سبيل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ".
(٢) أخرجه البخاري (١٤٢٣)، واللفظ له ومسلم (١٠٣١/ ٩١) عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه البخاري (١٤١٧)، ومسلم (١٠١٦/ ٦٨) عن عدي بن حاتم، قال: سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "اتَّقوا النار ولو بشق تمرة".
(٤) "مفحص قطاة": يعني موضعها الذي تجثم فيه، وإنما سمي مفحصًا؛ لأنها لا تجثم حتى تفحص عنه التراب، وتصير إلى موضع مطمئن مستو. انظر: "غريب الحديث" للقاسم بن سلام (٣/ ١٣٢).
(٥) أخرجه ابن ماجه (٧٣٨) وغيره عن جابر، وصححه الأَلْبَانيُّ في "صحيح الجامع" (٦١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>