للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدلنا على أن للوتر مكانةً عظيمةً في الشريعة لدرجة الاختلاف في وجوبه.

ولعل الذي دفع الإمام أبا حنيفة إلى القول بوجوبه ما ورد فيه من أحاديث كثيرة، وبعضها أيضًا جاء بصيغة الأمر، ومنها أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الوتر حقٌّ، فمَنْ لم يوتر فليس منا"، أخرجه أحمد (١) وأبو داود (٢) من حديث عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه.

ومعنى "حقٌّ": ثابت (٣)، والثابت هو المستقر (٤)، ولذلك يُقال عن الواجب في قول اللَّه سبحانه وتعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦)} [الحج: ٣٦].

{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}؛ أي: سقطت واستقرت على الأرض، فأصبحت ثابتةً (٥).

فقوله: "الوتر حقٌّ"؛ أي: ثابتٌ، والثابت هو الواجب (٦).

ومن الأحاديث التي وردت مما يستدل بها مَنْ قال بوجوب الوتر حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي اللَّه عنه- أنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الوترُ حقٌّ على كل مسلمٍ، مَنْ أحب أن يوتر بخمسٍ فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاثٍ


= روايات، روى حماد بن قلد عنه أنه فرضٌ، وروى يُوسُف بن خالد السمتي أنه واجب، وروى نوح بن أبي مريم المروزي في الجامع عنه أنه سنة".
(١) أخرجه أحمد في "المسند" (٢٣٠١٩).
(٢) أخرجه أبو داود (١٤١٩)، وضعفه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" (٤١٧).
(٣) قوله: "الوتر حق"؛ أي: واجب ثابت. انظر: "شرح أبي داود" للعيني (٥/ ٣٢٧).
(٤) "شيء ثابت": بمعنى أنه مستقر لا يزول، ويستعمل الثبات في الأجسام والأعراض، وليس كذلك الكون. انظر: "الفروق اللغوية" للعسكري (ص ١١٨).
(٥) قال ابن كثير في "التفسير" (٥/ ٤٢٨): "عن ابن عباس: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}، يعني: نحرت. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}، يعني: ماتت.
وهذا القول هو مراد ابن عباس ومجاهد، فإنه لا يجوز الأكل من البدنة إذا نحرت حتى تموت وتبرد حركتها".
(٦) تقدَّم معناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>