للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستقلٍّ، لكن كلامنا هنا يختصُّ الوتر وحده، ولا يتناول السنن الرواتب التي سيأتي أيضًا الكلام عنها إن شاء اللَّه.

وينبغي أن نتنبه هنا؛ كيف كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحيي ليله؟ فقَدْ صلى في أول الليل، وفي وسطه، وفي آخره حتى كان آخر أمره -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يصلي في السَّحَر كما جاء في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- (١) مع أنه قد غفر اللَّه له سبحانه وتعالى ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وكان -عليه الصلاة والسلام- يُكْثر من الصَّلاة في الليل تعبدًا للَّه سبحانه وتعالى، واعترافًا بنعمِهِ العظيمة عليه، فَكَانَ يُقَال له: ألا تَرْفق بنفسك؛ فعَنْ عَائشَةَ -رضي اللَّه عنها- أنَّ نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَقُومُ من الليل حتى تتفطَّر قدماه، فقالت عائشة: لِمَ تصنع هذا يا رسول اللَّه، وقد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلَا أحبُّ أنْ أكونَ عبدًا شكورًا" (٢).

أي أن اللَّه سبحانه وتعالى قَدْ أنعم عليَّ بهذه النعم، وفي مُقدِّمتها أنه اختاره اللَّه سبحانه وتعالى لرسالته، وكان الوحي ينزل عليه، وكذلك فَضَّله اللَّه سبحانه وتعالى على سائر الأنبياء، وَجَعل أُمَّته خيرَ الأممِ، وفضائلُهُ -عليه الصلاة والسلام- كثيرةٌ يَصعب حصرها وتعدادها؛ فإنَّ ذلك معروفٌ في شمائله عليه الصلاة والسلام (٣).


(١) أخرجه البخاري (٩٩٦) ومسلم (٧٤٥/ ١٣٧)، واللفظ له، عن عائشة، قالت: "من كل الليل قد أوتر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: من أول الليل، وأَوْسَطه، وآخره، فانتهى وترُهُ إلى السَّحَر".
(٢) أَخْرَجه البخاري (٤٨٣٧)، ومسلم (٢٨٢٠/ ٨١)، عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: "أن نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَقُومُ من الليل حتى تتفطَّر قدماه، فقالت عائشة: لِمَ تصنع هذا يا رسول اللَّه وقد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا"، فلمَّا كثر لحمه، صلى جالسًا، فإذَا أرادَ أن يركعَ، قَامَ فقرأ ثم ركع".
(٣) من ذلك ما أخرجه البخاري (٤٣٨) وغيره عَنْ جابر بن عبد اللَّه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُعْطيت خمسًا لم يعطهن أحدٌ من الأنبياء قبلي: نصرتُ بالرُّعب مسيرة شهرٍ، وجُعلَت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليُصلِّ، وأُحلَّت لي الغنائم، وكان النبيُّ يُبْعث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس كافة، وأُعْطيت الشفاعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>