للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستمرُّ على ركعةٍ واحدةٍ، وربما يُصلي ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، أو تسعًا، وكل ذلك ورد عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابة، ومَنْ بعدهم مِنَ السَّلَف (١).

وقَدْ نُقِلَ عن ابن عُمَر أنه قال: كان وتر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ركعةً واحدةً (٢)، ونقل عن ابن عباس (٣)، فلا يَنْبغي أن نقلل هذه الصفة ولو بركعةٍ؛ فالأُمُورُ بمَقَاصدها (٤)، فقَدْ يوتر إنسانٌ بركعةٍ واحدةٍ يُخْلص فيها النية للَّه سبحانه وتعالى يخشع قلبه، فتَخْشع جوارحه، فَيَناله من الثَّواب العظيم أكثر من آخر، ربما يوتر بإحدى عشرة أو بثلاث عشرة، وقلبُهُ منصرفٌ منشغلٌ بأمور الدنيا، أما هذا فإنَّه قد اتجه بقلبه وحواسه إلى اللَّه سبحانه وتعالى.

فرُبَّما يعمل الإنسان عملًا قليلًا يصحبه الإخلاص، فيرتفع به درجاتٍ كبيرةً، وقد يعمل أعمالًا كثيرةً جدًّا فيخالطها شيءٌ من الأمور التي


(١) تقدَّم ذكر أقوال الصحابة والتابعين في هذه المسائل، ومذهب كل منهم.
(٢) أخرجه ابن ماجه (١١٧٦)، وغَيْره عن المطلب بن عبد اللَّه، قال: سَأَل ابنَ عمر رجل فقال: كيف أوتر؟ قال: "أَوْتِرْ بوَاحِدَةٍ"، قال: إنِّي أخشى أن يقولَ النَّاس البتيراء، فقال: "سُنَّة اللَّه ورَسُوله"، وهو ضعيفٌ منقطعٌ. قال البخاري: لا أعرف للمطلب بن حنطب عن أحدٍ من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سماعًا إلا أنه يقول: حدثني مَنْ شهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. انظر: "ترتيب علل الترمذي الكبير" لأبي طالب القاضي (ص ٣٨٦).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٣/ ٢١)، وغَيْره عن عكرمة مولى ابن عباس قال: وَفَد ابن عباس على معاوية بالشام، فكانا يسمران حتى شطر الليل، فأكثر، قال: فَشَهد ابن عباس مع معاوية العشاء الآخرة ذات ليلةٍ في المقصورة، فلما فَرَغ معاوية ركع ركعةً واحدةً، ثمَّ لَمْ يزد عليها، وأنا انظر إليه قال: فجئت ابن عباس، فقلت له: ألا أضحك من معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعةٍ لم يزد عليها؟ قال: أَصَاب أي بني، ليس أحد منا أعلم من معاولة، إنما هي واحدة أو خمس أو سبع أو أكثر من ذلك، يوتر بما شاء.
(٤) يُنظر: "الأشباه والنظائر" لتاج الدين السبكي (١/ ٥٤) حَيْثُ قَالَ: "القَاعدة الخامسة: "الأمور بمقاصدها"، وأرشق وأحسن من هذه العبارة قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات"، ومن ثَمَّ وجوب النية حيث تجب. وقاعدة النية طويلة الذيل. . . قال الإمام في الأساليب: "موضوع اللفظ يحتمل النية بالإجماع كلفظ العين والقرء إذا نوى أحد مسمياته، واللازم لا يحتملها إجماعًا". وانظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>