للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"أقْضَاكم عليٌّ، وأَعْلَمكم بالحلال والحرام معاذٌ، وأقرؤكم أُبيٌّ" (١)، فكان أقرأ الصحابة، ولذلك لما أراد عمر -رضي اللَّه عنه- أن يجمع الصحابة في صلاة التراويح في رمضان، جمعهم على أُبيٍّ، وكان الناس كانوا يصلُّون أشتاتًا؛ جماعة هنا، وجماعة هنا، وبعضهم يصلي فرادى، فأراد عمر -رضي اللَّه عنه- أن يَجْمَعهم (٢).

وَمعلومٌ أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى بالناس التراويح ثلاث ليالٍ، ثم امتنع خشيةَ أن تُفْرض عليهم، فعَنْ عُرْوة أن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- أخبرته أَنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج ذات لَيْلةٍ من جوف الليل، فصلَّى في المسجد، فصلى رجالٌ بصلاتِهِ، فأصبح الناس، فتَحدَّثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلوا معه، فأصبح الناس، فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة، عجز المسجد عن أهله حتى خَرَج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر، أقبل على الناس، فتَشهَّد، ثمَّ قال: "أمَّا بَعْد، فإنه لم يخف عليَّ مكانكم، لكني خشيت أن تُفْرض عليكم، فتعجزوا عنها" (٣).

وهذا دليلٌ على شَفَقتِهِ -عليه الصلاة والسلام- ورحمته بأمته، فهو


(١) أخرجه الترمذي (٣٧٩٠)، وغيره عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَرْحَمُ أُمَّتي بأُمَّتي أبو بكرٍ، وأشدُّهم في أمر اللَّه عمر، وأَصْدَقهم حياءً عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أُبَي بن كعبٍ، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"، وصححه الأَلْبَانيُّ في "الصحيحة" (١٢٢٤).
(٢) أخرجه البخاري (٢٠١٠)، وغيره عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاعٌ متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: "إني أرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئٍ واحدٍ، لكان أمثل"، ثم عزم، فجمعهم على أُبَي بن كعب، تم خرجت معه ليلة أُخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: "نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل مَن التي يقومون".
(٣) أخرجه البخاري (٩٢٤) وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>