وَاللَّهُ تَعالَى أثنَى على العلَماء في كتابه الكريم بقَوْله سبحانه وتعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: ٩].
وما أَجْملَ أن نرَى في هذا الوقت صورًا من هذه الصُّوَر من الإخوة الذين يتَردَّدون على الدروس في هذه المساجد، ليس هناك مَنْ يدفعهم بالقوة، وليس هناك غرضٌ من أغراض الدُّنيا يَقُودهم إليها، وربما يُؤجِّل الواحد منهم ما لَدَيه من ارتباطاتٍ مهمةٍ خشيةَ أن يَفُوتَه درس من الدروس.
وَهَذه نعمةٌ من اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على طُلَّاب العلم، فخَيرٌ للمَرء أن يجلس في دَرْسٍ من الدروس حتى ولو استمع إلى آية، أو إلى حديثٍ من أحاديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو ظفر من مجلسه هذا بأن حفظ أو عرف مسألةً واحدةً، فهذه نعمة عظيمة، وهي -بِلَا شكٍّ- خيرٌ من أن يَقْضي الإنسَان وقته في اللَّهو أو الخوض في أَحَاديث ربما يَترتَّب عليها إثمٌ عظيمٌ يلحقه في الدنيا، فيجد آثاره في الآخرة.
ولما جاء رجلٌ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، دُلَّني على عملٍ إذا عملته أحبني اللَّه، وأحبني الناس. . . (١).
كل إنسانٍ يودُّ أن يكون محبوبًا عند اللَّه سبحانه وتعالى، بل هذا هو مطلب وغاية كل مؤمن، وكذلك يود أن يكون محبوبًا عند الناس؛ لأن الناس إذا ذَكَروا المؤمن بالخير، فهَذِهِ -إن شاء اللَّه- علامة خير وسعادة لهذا
(١) أخرجه ابن ماجه (٤١٠٢)، وغيره عن سهل بن سَعْدٍ الساعديِّ، قال: أتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل، فقال: يا رسول اللَّه، دُلَّني على عملٍ إذا أنا عملته، أحبَّني اللَّه، وأحبَّني الناس؟ فقال رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ازْهَدْ في الدُّنيا يحبك اللَّه، وَازْهَدْ فيما في أيدي الناس يحبك الناس"، وَصَححه الأَلْبَانيُّ في "الصحيحة" (٩٤٤).