للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُزْعة (١) لحمٍ (٢)، فإذا أعرض العبد عما في أيدي الناس، فاللَّه سبحانه وتعالى يُعوِّضه، ولا ينبغي أيضًا أن يركنَ العبد إلى الراحة والجلوس، فيضطر إلى ما في أيدي الناس، بل ليحاول أن يجمعَ ما يعيش به حياته، وينفق منه على أسرته، فإذا زهد العبد بما في أيدي النَّاس، فإن النَّاسَ سيحبونه، وينظرون إليه نظرةَ إعزازٍ (٣) وإجلالٍ وتكريمٍ، وأما إذا أخذت تلهث (٤) وراء الناس، وتَطْلب من هذا، وتَسْأل هذا، وتتقرَّب إلى هذا، فإنَّك بذلك تَضْعف قيمتك، ولا تكون محبوبًا لديهم.

وهنا قضيةٌ أُخرى، وهي أن الحب كل الحب إنما هو في اللَّه سبحانه وتعالى، فكَمْ من أناسٍ تحابوا (٥) على معصية اللَّه، فانتهى ذَلكَ إلى اخْتلَافٍ وشقاقٍ وتباعدٍ، وربما أعقبه أضرارٌ كثيرةٌ.

وأما مَنْ تحابوا في اللَّه، فَاللَّهُ تَعالَى يقول يوم القيامة: "أَيْنَ المُتَحابون فيَّ" (٦)، فهؤلاء هم الذين سينالون السعادة، ولذلك قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أحبَّ للَّه، وأبغض للَّه، وعادى للَّه، فإنما تنال ولاية اللَّه بذلك" (٧).


(١) "مزعة لحم"؛ أي: قطعة يسيرة من اللحم. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٤/ ٣٢٥).
(٢) أخرجه البخاري (١٤٧٤)، ومسلم (١٠٤٠/ ١٠٣)، عن ابن عمر قال: قال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما يَزَال الرَّجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليسَ في وجهه مزعة لحم".
(٣) العز في الأصل: القوة والشدة والغلبة والرفعة والامتناع، وهي يمدح بها تارةً، ويذم بها تارةً. انظر: "تاج العروس" للزبيدي (١٥/ ٢١٩).
(٤) "لهث": إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش؛ وكذلك الرجل إذا أعياء انظر: "لسان العرب" لابن منظور (٢/ ١٨٤).
(٥) "التحاب": التواد. انظر: "تاج العروس" للزبيدي (٢/ ٢٣٤).
(٦) أخرجه مسلم (٢٥٦٦/ ٣٧)، عن أبي هريرة، قال: قال رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللَّه يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أُظلُّهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلي".
(٧) أخرجه أحمد (١٥٥٤٩)، عن عمرو بن الجموح، أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يحق العبد حق صريح الإيمان حتى يحب للَّه، وببغض -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا أحب للَّه، وأبغض للَّه، فقد استحق الولاء من اللَّه، وإن أوليائى من عبادي، وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري، وأذكر بذكرهم"، وضعفه الأَلْبَانيُّ في "الضعيفة" (٥٦٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>