للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالدُّنيا لا تزن عند اللَّه جناح بعوضةٍ، ولو كانت تزن عند اللَّه جناح بعوضةٍ، لَمَا سقى الكافر منها شربة ماءٍ (١).

ولذلك، فقد هَوَّن اللَّه أَمْرَها؛ قال تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (٣٤) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)} [الزخرف: ٣٣ - ٣٥].

فليسَ إعطاءُ الدُّنيا علامةً على رضى اللَّه سبحانه وتعالى على المخلوق، ولا مَنْعها علامة السخط عليه، بل السعادة الحقيقية هي تقوى اللَّه تعالى.

ولست أرى السعادة جمع مالٍ … ولكن التقيَّ هو السعيد (٢)

وإنَّ من عباد اللَّه مَنْ لو أغناه اللَّه سبحانه وتعالى، لكان الفقر خيرًا له، وإنَّ من عباد اللَّه مَنْ لو أفقره اللَّه، لَكان الغنى خيرًا له (٣).

فَهذِهِ أمور يُقدِّرها اللَّه سبحانه وتعالى، فَهُوَ الَّذي يهبُ ويمنعُ، هو الذي بيده خزائنُ كل شَيءٍ، فالناس كلُّهم جميعًا فُقَراء إليه، فالإنسان لا يدوم على


(١) أخرجه الترمذي (٢٣٢٠)، وغيره عن سهل بن سعد، قال: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو كانت الدنيا تعدل عند اللَّه جناح بعوضة، ما سقى كافرًا منها شربة ماء"، وصححه الأَلْبَانيُّ في "الصحيحة" (٦٨٦).
(٢) من الوافر، ويُنْسَب هذا الشعر إلى الحطيئة العبسي، انظر: "الأمالي" لأبي علي القالي (٢/ ٢٠٢)، وبقيته:
وتقوى اللَّه خير الزاد ذخرًا … وعند اللَّه للأتقى مزيدُ
وما لا بدَّ أن يأتي قريبٌ … ولكن الذي يمضي بعيدُ
(٣) معنى حديث قدسي أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٨/ ٣١٨) وغيره، عن أنس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن اللَّه عزَّ وجلَّ، وفيه: ". . . وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الْغِنَى، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي المُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الفَقْرُ، وَإِنْ بَسَطْتُ لَهُ أَفْسَدَهُ ذَلِكَ. . . ". الحديث. وهذا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مُرَكَّبٌ، وإسناده مظلم، وَرواتُهُ: صَدَقَةُ، وَالْخُشَنِيُّ، وَأَبُو حَفْصٍ، دِمَشْقِيُّونِ مَتْرُوكَون.

<<  <  ج: ص:  >  >>